اختارت فايزة الحسيني وادي، المربية والعاملة الاجتماعية من شفاعمرو، أن تحوّل صدمة اكتشاف مرض السرطان إلى نقطة تحوّل نحو السلام الداخلي والانخراط الأعمق في رسالتها التربوية والعلاجية. في حديث صريح مع برنامج "خارج الضوء" على راديو الناس، شاركت الحسيني محطات حياتها الغنية التي جمعت بين القدس، بيت لحم، الناصرة، وزيمر، ومدن أوروبية مثل بازل ولندن، حيث خاضت تجربة نادرة في مجال العلاج التعليمي الاجتماعي المستند إلى فلسفة "الأنتروبوسوفي".
في حديثها شرحت وادي كيف تحوّلت صدمة إصابتها بالسرطان إلى لحظة وعي دفعتها لمواصلة رسالتها الإنسانية، قائلة: "لم أرَ المرض نقمة، بل هدية ورسالة من الله، شعرت أن عليّ أن أُكمل الطريق الذي بدأته مع الفئات المهمشة".
من التعليم الرسمي إلى العلاج التعليمي الاجتماعي
وأوضحت الحسيني أنها عملت في مجال التعليم لأكثر من عشرين عامًا، ثم اتخذت قرارًا حاسمًا بالانتقال إلى ما تصفه بـ"العلاج التعليمي الاجتماعي"، وهو نهج يستند إلى فلسفة الأنتروبوسوفي، التي تمزج بين الجسد والنفس والروح. وقالت: "لم أعد فقط معلّمة، بل مرافقة للإنسان بكامله، أرافق روحه قبل جسده، وأمنحه ما يدعمه من الداخل". وعن هذا النهج، شرحت: "الأنتروبوسوفي كلمة يونانية تعني ’حكمة الإنسان‘، وهي فلسفة ترى الإنسان ككائن متكامل لا يمكن معالجته أو تربيته بمعزل عن روحه، نحن لا نحاول أن نغيّر الإنسان، بل نعمل من حوله، نخدمه ونتغير نحن من خلاله".
مشروعها في غزة والضفة: العمل رغم الحرب
تحدثت الحسيني أيضًا عن تجربتها في تأسيس أول بيت لأصحاب الاحتياجات الخاصة في غزة عام 2004، قائلة: "بدأت من الصفر، بلا دعم مادي أو معنوي، فقط بإيمان عميق أن هذه الفئة تستحق العيش بكرامة. حتى بعد الحرب، لم أتوقف".
وفي السياق نفسه، أطلقت لاحقًا جمعية "بيت السامة" في رام الله، وأضافت: "رغم الظروف، عملنا ودرّبنا أمهات، وأطباء، ومعالجين من غزة، والضفة، وحتى من دول عربية عبر الزوم. كل ذلك بهدف أن يشعر الآباء والأمهات بأن أبناءهم ليسوا عبئًا، بل هدية".
عن السرطان: "سألت نفسي، هل سأترك المشروع؟"
وعن لحظة اكتشاف إصابتها بالسرطان، قالت: "نعم، بكيت. صُدمت. لكن بعد فترة قصيرة سألت نفسي: هل سأترك المشروع؟ هل هذه نهاية الرسالة؟ فكانت الإجابة واضحة: لا - قلت لابنتي، إن حصل لي شيء، أكملوا المشروع من بعدي".
وتابعت: "كنت مؤمنة أن هذا المرض جاء ليذكرني بهدف حياتي. تلقيت رسائل صوتية من الأطفال ذوي الهمم الذين عملت معهم في جنين وبرقين دعواتهم بالشفاء منحتني طاقة لا توصف".
رؤية للعلاج في زمن الأزمات
وأكدت الحسيني في حديثها أن فلسفة الأنتروبوسوفي تمثّل حاجة ملحة في العالم العربي، وخاصة في مناطق النزاع مثل غزة، قائلة: "العالم يمر بأزمة نفسية واجتماعية، ونحن بحاجة إلى إعادة الاعتبار للروح هذا المنهج ليس بديلًا عن الطب أو التعليم، بل هو مكمل ضروري يعطي الإنسان مركزه الحقيقي".
وأضافت: "أؤمن أن كل إنسان لديه احتياجات خاصة، كلنا مررنا بصدمات وتجارب، وكلنا بحاجة إلى علاج يعيد توازننا من هنا جاء عنوان كتابي: ’كلنا احتياجات خاصة‘".