تصاعد التوتر مجددًا بين الهند وباكستان بعدما حذّر وزير الدفاع الباكستاني، خواجة محمد آصف، من أن "غزوًا عسكريًا" هنديًا قد يحدث في أي لحظة.
وأوضح آصف، في مقابلة مع وكالة "رويترز" في إسلام آباد، أن بلاده عززت انتشار قواتها على الحدود، واتخذت "قرارات استراتيجية" استعدادًا لاحتمال اندلاع حرب.
ويأتي ذلك في ظل تبادل إطلاق النار لعدة ليالٍ متتالية على طول "خط السيطرة" الفاصل بين قوات البلدين في إقليم كشمير، وتزايد المخاوف من تجدد الاشتباكات العنيفة.
هجوم دموي
جاء هذا التصعيد إثر هجوم دموي وقع الأسبوع الماضي في كشمير الخاضعة لسيطرة الهند، حيث فتح مسلحون النار على مجموعة من السياح الهنود قرب بلدة بلهغام، ما أسفر عن مقتل 26 شخصًا وإصابة 17 آخرين، في أحد أعنف الهجمات التي تشهدها الهند منذ عقود.
وقد تبنت جماعة غير معروفة تُدعى "جبهة المقاومة" المسؤولية عن الهجوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بينما حددت مصادر هندية هذه الجماعة بأنها مرتبطة بمنظمة "شكر طيبة" التي تنشط في باكستان.
ورغم عدم تقديم الهند أدلة قاطعة على تورط باكستان، إلا أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي توعّد بـ"عقاب قاسٍ" وتعهد بمهاجمة أي موقع يأوي إرهابيين، دون أن يذكر باكستان بالاسم.
خطوات تصعيدية
منذ الهجوم الذي وقع في 22 نيسان/أبريل، اتخذت الهند سلسلة خطوات تصعيدية ضد باكستان، إذ ألغت تأشيرات دخول المواطنين الباكستانيين وأمرت بمغادرتهم الفورية، وشنّت حملة اعتقالات واسعة في كشمير طالت مئات المسلمين، كما أعلنت خططًا لعرقلة تدفق الأنهار المتجهة من الهند إلى باكستان، وهو ما اعتبرته إسلام آباد "عملًا عدائيًا".
بالتوازي، أطلق مودي حملة دبلوماسية واسعة، حيث اجتمع مع أكثر من مئة دبلوماسي أجنبي في نيودلهي لجمع دعم دولي لموقف بلاده ضد ما وصفه بالإرهاب، مستفيدًا من انشغال القوى الكبرى بأزمات أخرى حول العالم.
ومع استمرار تبادل إطلاق النار على خط السيطرة وتصعيد اللهجة بين الطرفين، حذر خبراء هذا الأسبوع من أن أي عملية عسكرية محدودة، مثل غارات جوية أو توغلات لقوات خاصة عبر الحدود، قد تتصاعد سريعًا إلى مواجهة مفتوحة بين قوتين نوويتين.
جذور الصراع: كشمير وتقسيم الهند
يعود أصل النزاع بين الهند وباكستان إلى عام 1947، عند حصول الهند على استقلالها من بريطانيا وتقسيمها إلى دولتين: الهند ذات الغالبية الهندوسية، وباكستان كوطن للمسلمين.
وحاولت ولاية جامو وكشمير، ذات الغالبية المسلمة وحاكم هندوسي، الحفاظ على استقلالها، لكنها اضطرت للانضمام إلى الهند بعد اجتياح قبائل مسلحة مدعومة من باكستان، مما أدى إلى اندلاع أول حرب بين البلدين.
ونتج عن هذه الحرب تقسيم فعلي لكشمير: الهند تسيطر على نحو ثلثي الإقليم، بينما تدير باكستان الثلث المتبقي، مع استمرار مطالبة كل طرف بالسيادة على كامل المنطقة.
ومنذ ذلك الحين، ظلت المواجهات العسكرية جزءًا من الواقع الدائم على طول الحدود، إذ تتهم الهند باكستان بدعم جماعات إرهابية إسلامية تسعى لاستقلال كشمير أو ضمها إلى باكستان، بينما تصرّ إسلام آباد على دعم "حق تقرير المصير" لشعب كشمير، مطالبةً بإجراء استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو مطلب ترفضه الهند.
تاريخ من الحروب والمواجهات
شهدت العلاقة بين البلدين سلسلة من الحروب والمواجهات العسكرية منذ الحرب الأولى بين عامي 1947-1948، ومع تطور القدرات النووية للطرفين، أصبحت أي مواجهة تحمل خطر التصعيد النووي.
وكانت حرب "كارجيل" عام 1999 وهجوم بولواما عام 2019 أبرز محطات التصعيد. ففي الهجوم الأخير قُتل 40 جنديًا هنديًا بهجوم انتحاري، ما دفع الهند لتنفيذ غارات جوية داخل باكستان، وردّت الأخيرة بإسقاط طائرة هندية وأسر طيارها قبل أن تطلق سراحه لاحقًا كمبادرة حسن نية.
كما أقدمت حكومة مودي بعد ذلك على إلغاء الحكم الذاتي الخاص بجامو وكشمير، ما زاد من حدة التوترات مع باكستان.
سيناريوهات متوقعة
تخشى الأطراف الدولية من أن تتسبب الأزمة الجديدة في كشمير بإضافة ساحة صراع جديدة إلى مشهد عالمي مضطرب أصلًا، حيث تستعر الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتخوض إسرائيل حربا على عدة جبهات ومواجهات مع إيران، فيما تستمر التوترات بين الصين وتايوان.
وتشير التقديرات إلى أن الهند قد تلجأ إلى عمليات عسكرية محدودة، مثل غارات جوية أو عمليات خاصة تستهدف بنى تحتية عسكرية قريبة من الحدود، لتهدئة الرأي العام المحلي من دون الانجرار إلى حرب شاملة.
لكن وزير الدفاع الباكستاني حذر بوضوح من أن أي هجوم هندي سيقابل برد أعنف.
ونظراً للأجواء القومية المتوترة في كلا البلدين واستمرار التراشق العسكري على الحدود، يبقى خطر التصعيد السريع قائمًا بقوة.
مخاطر التصعيد النووي
يمتلك البلدان ترسانة نووية معتبرة، ورغم حذر القادة من تخطي "الخط الأحمر" سابقًا، إلا أن سرعة التصعيد وضغط الرأي العام قد تؤدي إلى انزلاق خطير.
وفي حال شعرت باكستان بالعزلة الدبلوماسية مقابل الدعم الدولي للهند، فقد تعتقد نيودلهي أن هامش المناورة لصالحها، ما قد ينتهي بكارثة.
تداعيات محتملة على إسرائيل
رغم عدم انخراط إسرائيل المباشر في الصراع، إلا أن لها مصالح في المنطقة، خصوصًا مع تنامي علاقاتها الاستراتيجية مع الهند في مجالات الأمن والتكنولوجيا والاستخبارات.
وقد يشغل اندلاع حرب كبرى الهند داخليًا، ويؤثر سلبًا على مشاريع مشتركة وعلى نشاطها الدولي، بما في ذلك في الشرق الأوسط.
كما تتابع إسرائيل الوضع في باكستان عن كثب بسبب امتلاكها سلاحًا نوويًا، وتقدّر مراكز أبحاث أمنية أن زعزعة الاستقرار في باكستان قد تؤدي إلى تقوية الحركات الجهادية في المنطقة، مما يهدد الأمن الإقليمي، خاصة في إيران وأفغانستان وشبه الجزيرة العربية.
وعلى الرغم من أن احتمال استخدام السلاح النووي يبقى ضئيلًا، إلا أن أي تبادل نووي، ولو محدود، ستكون له آثار كارثية، تشمل تدمير البنية التحتية، تلوث إشعاعي واسع، اضطرابات مناخية وزراعية عالمية، مع تداعيات قد تصل إلى الشرق الأوسط، بما فيه إسرائيل.