6 عرض المعرض


جنود إسرائيليون على متن مركبة مدرعة يحملون علم لبنان تم الاستيلاء عليه خلال القتال 2006
(Flash90)
في الثاني عشر من تموز عام 2006، اندلعت الحرب بين حزب الله وإسرائيل بعد عملية مباغتة نفذها الحزب على الحدود، أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وأسر اثنين آخرين. هذه العملية، التي أطلق عليها الحزب اسم "الوعد الصادق"، فجّرت واحدة من أعنف الحروب التي شهدها لبنان خلال العقود الأخيرة، واستمرت 33 يومًا، تاركةً آثارًا عميقة على المعادلات العسكرية والسياسية في لبنان وإسرائيل والمنطقة.
من الأسر إلى الحرب المفتوحة
أعلن حزب الله في ساعات الصباح عن تنفيذ عملية أسر جنود على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، معتبرًا أنها خطوة نحو مبادلة الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية. الردّ الإسرائيلي جاء واسع النطاق وشاملًا، إذ بدأ سلاح الجو بقصف جوي مكثّف طال البنى التحتية والمرافق المدنية في لبنان، فيما توسّعت العمليات لاحقًا إلى اجتياح بري جزئي لمناطق جنوبية.
حزب الله يثبت حضوره وإسرائيل تعيد الحسابات
رغم الدمار الهائل الذي لحق بلبنان ومقتل أكثر من 1100 شخص، أعلن حزب الله أن الحرب انتهت بـ"نصر إلهي"، حيث فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهدافه الأساسية: استعادة الجنديين وتفكيك قدرات الحزب. وفي المقابل، تسببت الحرب بصدمة داخل إسرائيل، التي فقدت 121 جنديًا و44 مدنيًا، وواجهت موجة من الانتقادات الداخلية حول أداء القيادة السياسية والعسكرية.
نقطة تحوّل: بداية مرحلة جديدة في الاستعدادات الإسرائيلية
أفضت حرب تموز إلى تغيّرات جذرية في العقيدة الأمنية الإسرائيلية. فبعد أن كشف الصراع هشاشة منظومة الحماية من الصواريخ، وخاصة في ظل سقوط آلاف القذائف على شمال البلاد، بدأت إسرائيل بتطوير منظومات دفاعية جديدة. وكانت أبرز نتائج ذلك العمل على إنشاء منظومة "القبة الحديدية"، والتي دخلت حيّز الخدمة بعد أربع سنوات، لتشكل جزءًا محوريًا من منظومة الدفاع متعددة الطبقات التي تعتمد عليها إسرائيل اليوم.
إلى جانب ذلك، أعادت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هيكلة تدريباتها وخططها القتالية، مع التركيز على قتال التنظيمات غير النظامية، وخصوصًا في مناطق مدنية. كما خضعت تجربة الحرب لتحليل معمّق في "تقرير فينوغراد" الشهير، الذي أوصى بإصلاحات واسعة في القيادة والسيطرة والتنسيق بين الأذرع العسكرية المختلفة.
تفصل بين حرب تموز 2006 وبين هجوم 7 اكتوبر 2023 19 عامًا، لكن بينهما قواسم مشتركة عميقة وفروقات حاسمة، سواء في الشكل أو النتائج.
6 عرض المعرض


وزير الأمن عامير بيرتس وقائد الشرطة يتفقدان موقع سقوط صاروخ لحزب الله على محطة القطار في مدينة حيفا 2006
(Flash90)
بين تموز وتشرين: من المعركة المباشرة إلى جبهة إسناد
في تموز 2006، خاض حزب الله معركة مباشرة ومفتوحة مع الجيش الإسرائيلي، حيث تحمّل تبعات الحرب كاملة، لكنه خرج منها بمكاسب استراتيجية، أهمها ترسيخ معادلة ردع متبادلة، وفرض خطوط حمراء على سلوك إسرائيل في الجنوب اللبناني. تلك المواجهة قادها الحزب من موقع المبادرة، ونجح في إدارتها رغم الكلفة البشرية والمادية. بالمقابل، جبهة تشرين 2023 لم تبدأ كحرب شاملة، بل كـ"جبهة إسناد" لقطاع غزة، بعمليات ظن الحزب أنها محسوبة النطاق والزمن، دون نية للدخول في مواجهة استراتيجية.
لكن التحول جاء من الجانب الإسرائيلي، الذي تعامل مع الجبهة كمساحة اختبار جديدة لإعادة فرض الهيمنة، فنفذ عمليات اغتيال غير مسبوقة، أبرزها اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله وقيادات الصف الأول، وتوسّع تدريجيًا نحو احتلال أراضٍ لبنانية. وهكذا، تحوّلت جبهة الإسناد إلى كاشف واضح لاختلال موازين القوى: في حين بادر حزب الله في تموز بفرض المعركة، وجد نفسه في تشرين في موقع غير قادر على الرد بالحجم والنوع، ما يعكس تحوّلًا بنيويًا في قواعد الاشتباك، وانهيارًا فعليًا للردع الذي بُني بعد حرب 2006.
ويرى بعض المحللون أن حرب تموز ستُذكر كالحرب التي أنشأت توازنًا هشًا انهار لاحقًا في تشرين 2023، وكأنها لم تكن نهاية مواجهة، بل بداية انتظار طويل للحرب القادمة.