مظاهرة في عرعرة
شهدت بلدة عارة–عرعرة مساء اليوم مظاهرة حاشدة شارك فيها المئات من الأهالي والطلاب والمعلمين والناشطين، احتجاجًا على تفشّي العنف في المجتمع العربي، وذلك في أعقاب مقتل الطالب محمد حسين مزارقة (17 عامًا) طعنًا داخل مدرسته قبل يومين، في حادثة هزّت الوسط التعليمي والمجتمعي بأسره.
صدمة وغضب بين الطلاب
الطالبة إلين يونس، رئيسة مجلس الطلاب في المدرسة الثانوية بعرعرة، عبّرت عن حزنها العميق قائلة:"الفاجعة وقعت في المكان الذي نعتبره بيتنا الثاني، المدرسة التي يفترض أن تكون أكثر الأماكن أمانًا لنا. بعد الحادثة تغيّر كل شيء، كثير من الأهالي رفضوا إرسال أبنائهم، وبعضنا تغيب خوفًا أو احتجاجًا."
وأضافت أن شعور الطلاب بعدم الأمان داخل المدرسة أصبح واقعًا مؤلمًا:"نقضي في المدرسة ست ساعات يوميًا، خمسة أيام في الأسبوع، فكيف نتابع دراستنا ونحن نشعر أننا لسنا بأمان؟ يجب أن تتحرك الجهات المسؤولة فورًا لمنع تكرار مثل هذه الحوادث."
ودعت إلين إلى إقرار قانون تفتيش وقائي داخل المدارس لحماية الطلاب من إدخال أدوات خطرة:"لو كان هناك تفتيش يومي للحقائب، ربما لم تكن هذه الجريمة لتقع. خصوصية الطالب لا تُبرر غياب الأمان؛ الحقيبة يجب أن تحتوي على كتب ودفاتر، لا سكاكين."
موقف المربين والمعلمين
من جانبها، قالت المعلمة سينات يونس من المدرسة الشاملة في عارة:"لا يمكن وصف مشاعر الطلاب بعد الحادثة. كان الحزن عميقًا والصدمة كبيرة، خاصة لدى من عرفوا الطالب المغدور. العنف ليس جديدًا علينا، لكن أن يدخل إلى داخل المدرسة ويخترق حرمتها، فهذا تجاوز خطير لكل الخطوط الحمراء."
وأكدت أن الطواقم التربوية حاولت احتواء الموقف عبر فعاليات توعوية ودعم نفسي للطلاب:"نحن نعمل على بث روح الأمل، وتعزيز المناعة المجتمعية. لا يمكن أن نستسلم لليأس. هذه مسؤوليتنا كمعلمين وأهالٍ، أن نحافظ على الجيل الشاب وأن نمنحه الأمان داخل بيئة التعليم."
وأضافت يونس أن التحديات التربوية تغيّرت بشكل جذري، مشيرةً إلى أن القضايا اليومية لم تعد مقتصرة على التحصيل الدراسي:
"اليوم نحن نتعامل مع طلاب يعيشون في عالم مفتوح عبر الهواتف والشبكات، وهذا العالم يؤثر فيهم أكثر من المربّين أنفسهم. علينا أن نستعيد دورنا وأن لا نترك أبناءنا يواجهون هذا الواقع وحدهم."
مطالب المجتمع المحلي
وخلال المظاهرة، طالب أحد المشاركين بضرورة تحرك فوري من الحكومة الإسرائيلية والسلطات المحلية لمواجهة العنف المستشري، قائلاً:"لا يُعقل أن يُقتل أكثر من مئتين وخمسة عشر شخصًا في عام واحد دون أن تُعقد حتى جلسة طوارئ واحدة. نحن نطالب بخطة حقيقية لمكافحة الجريمة، وليس قرارات شكلية لا تُنفذ."
وأضاف:"الحكومة لا تفهم سوى لغة الأعداد والضغط الشعبي، لذلك علينا أن نرفع صوتنا وننزل إلى الشوارع بشكل قانوني ومنظّم، حتى يصل صوتنا إلى تل أبيب والقدس. دماء شبابنا ليست أرقامًا."
دعوات للتغيير والتعاون
المتحدثون خلال الوقفة أكدوا أن مواجهة العنف تتطلب تضافر الجهود بين البيت والمدرسة والمجتمع، وضرورة إشراك الأهالي في التربية والمتابعة اليومية لأبنائهم.
"المعلم بحاجة إلى دعم نفسي ومهني، والوالد بحاجة إلى وعي ومتابعة، والمجتمع بحاجة إلى قانون وعدالة وردع"، قالت المعلمة يونس، مضيفةً:"التغيير لا يحدث بضغطة زر، بل بخطوات صغيرة مستمرة، تبدأ من داخل الصفوف، ومن كلمة صباح الخير الصادقة التي تُقال للطالب كل يوم."
مأساة مقتل الطالب محمد مزارقة أعادت إلى الواجهة قضية العنف داخل المجتمع العربي في البلاد، لا سيّما حين يصل إلى المدارس، التي يُفترض أن تكون حصونًا للأمان والتعليم. وبين دعوات الإصلاح ومشاعر الخوف، يبقى السؤال:
هل تكون دماء محمد بداية التغيير، أم مجرّد رقم جديد في قائمة الضحايا؟






