في حلقة جديدة من مسلسل المواجهات الحادة بين رئيس الحكومة الإسرائيلي، بينيامين نتنياهو، والمستشارة القضائية للحكومة، غالي بهراف-ميارا، شنّ نتنياهو هجومًا لاذعًا على المستشارة القضائية للحكومة، في أعقاب إعلانها عن نيّتها تقديم لائحة اتهام ضد مستشاره السياسي المقرّب، يوناتان أورِيخ، مشروطة بعقد جلسة استماع.
وكانت النيابة العامة قد أبلغت أورِيخ، مساء أمس الأحد، بأنها تدرس تقديم لائحة اتهام بحقه بشبهة ارتكابه مخالفات أمنية جسيمة ضمن ما بات يُعرف بـ"قضية الوثائق السرية" أو "ملف بيلد"، وتشمل: نقل معلومات سرية بنيّة المساس بأمن الدولة، وحيازة معلومات سرية، وإتلاف أدلة".
وفي بيان رسميّ أصدره نتنياهو صباح اليوم (الاثنين)، قال إنّ:" البيان المشين الصادر عن المستشارة القضائية حول نيتها تقديم أورِيخ للمحاكمة، وفي هذا التوقيت بالذات، هو قرار بائس يثير تساؤلات خطيرة"، مضيفًا: "أنا مطّلع على التفاصيل، وأؤكد بشكل قاطع: لم يكن هناك أي مساس بأمن الدولة. ما يجري هو خطوة عبثية لا أساس لها، تهدف لخدمة أجندة أخرى، وليست لصالح الجمهور".
وثيقة سرية للغاية
وفي العودة الى تفاصيل القضية، فإنّه وفقًا للشبهات "تعاون أورِيخ مع إيلي فلَدشتاين – المتحدث السابق باسم رئيس الوزراء – لإخراج وثيقة سرية للغاية من أنظمة الجيش الإسرائيلي، تتضمن معلومات استخباراتية مصدرها وسيلة تجسس حساسة". وتشير الشبهات إلى أنّ "تسريب الوثيقة كان بهدف التأثير على الرأي العام الإسرائيلي بعد مقتل ستة من المخطوفين في نفق برفح في أغسطس 2024، ومحاولة تغيير مسار النقاش الجماهيري آنذاك"، بحسب الشبهات.
طاقم الدفاع عن أوريخ: الاتهامات باطلة وتوقيتها سياسي
في المقابل، نفى محاميا الدفاع عن أورِيخ، المحاميان عمِيت حدّاد ونوعاه ميلشتاين، جميع الادعاءات الموجهة ضدّه، وصرّحا بالقول:" يوناتان أورِيخ يرفض كليًا الادعاءات الموجهة ضده. لم يحز أي معلومة سرية، ولم ينقلها لأحد، ولم يضر بأمن الدولة مطلقًا. هذه لائحة اتهام وهمية، وتوقيتها ليس مصادفة – وسنثبت براءته الكاملة".
خلفية القضية: تسريبات لوسائل إعلام أجنبية
القضية تفجّرت بعد نشر صحيفة "بيلد" الألمانية، في 6 سبتمبر 2024، وثيقة سرية تُنسب إلى قائد حماس في غزة يحيى السنوار، وتعرض ما قيل إنها "استراتيجية التفاوض مع إسرائيل" بخصوص "صفقة تبادل" ووقف إطلاق النار.
وبعد تحقيق داخلي في الجيش الإسرائيلي، تبيّن أن الوثيقة حقيقية ومصنّفة "سرية للغاية"، وأن تسريبها يُهدد عمليات تحرير المختطفين وجهود الجيش والشاباك داخل غزة.
لاحقًا، أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في تحقيق لها أنّ "الوثيقة نُشرت بشكل مشوّه، وأن بعض الوثائق المسربة إما لا أساس لها من الصحة أو تعود لمصادر هامشية داخل حماس ولا تعبّر عن قرارات تنظيمية معتمدة"، بحسب الصحيفة.
الكشف عن شبكة تسريب وتورّط مسؤولين
على ضوء التسريب، فتحت وحدة أمن المعلومات العسكرية التّابعة للجيش الإسرائيلي "محبام - מחב"ם" تحقيقًا أوليًا في محاولة لتتبع مصدر تسريب الوثيقة. وبعد سلسلة من الفحوصات الداخلية، توصّل الجيش إلى استنتاج يفيد بضرورة تحويل الملف إلى جهاز الأمن العام (الشاباك)، وذلك بعد أن طلب رئيس الأركان السابق، هرتسي هليفي، رسميًا فتح تحقيق في القضية.
وقد تمّ فتح تحقيق سريّ هدفه تتبّع الأطراف المسؤولة عن تسريب الوثيقة، بمشاركة الشرطة الإسرائيلية، وتركّز التحقيق بداية على تحديد المُسرّب من داخل الجيش، من خلال مقارنة قائمة الأشخاص الذين اطّلعوا على "وثيقة حماس" المصنّفة سرّية للغاية.
وتمكّن المحققون من تحديد هوية الجهة المسؤولة عن التسريب داخل الجيش، ومن ثم جُمعت معلومات استخبارية إضافية أشارت إلى ضلوع أطراف أخرى في "سلسلة التسريب"، ما قاد إلى الانتقال إلى المرحلة العلنية للتحقيق.
خلال هذه المرحلة، وبحسب تطورات القضية، تم اعتقال عدد من المشتبهين على مراحل، من بينهم ضابط صف في الاحتياط، وضابطان في الاحتياط، وضابط صف في الخدمة النظامية، إضافة إلى إيلي فلَدشتاين، وهو مستشار إعلامي عمل في منظومة الإعلام الوطني التابعة لمكتب رئيس الحكومة. كما تم استجواب مشتبهين آخرين لم يتم اعتقالهم.
مسلسل مواجهات مستمر بين نتنياهو وميارا
منذ توليها منصب المستشارة القضائية للحكومة في فبراير/ شباط 2022، خاضت المحامية غالي بهراف-ميارا مواجهات حادة مع نتنياهو، وكان لها تأثير كبير في قضايا الفساد التي يُحاكم فيها، ورفضت الدفاع عن الحكومة في هذه القضايا. ووقفت ميارا مرارًا في وجه نتنياهو بسبب محاولاته إقالة مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى، الامر الذي عكس بوضوح الخلافات بينهما في قضايا تتعلق بالسلطة والقانون.
وفي مطلع فبراير/شباط 2023 نشرت ميارا رأيا قانونيا أشارت من خلاله الى معارضتها خطة إصلاح القضاء، التي قدمها وزير القضاء الإسرائيلي ياريف ليفين بالاتفاق مع نتنياهو، ووصفتها المعارضة بالانقلاب السلطوي.
وعلى صعيد حرب غزة، فقد طالبت المستشارة القضائية مرارًا بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في إخفاق السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، خلافًا لموقف الحكومة وهو ما أثار غضب نتنياهو وحزبه.
قضية تعيين رئيس جديد للشاباك
ومن أبرز المواجهات الأخيرة، كانت في مارس/آذار 2025، حين حاول نتنياهو إقالة رئيس جهاز الشاباك رونين بار، وهو ما عارضته ميارا بشدّة. ولاحقًا في مايو/أيار الماضي، أعلن مكتب نتنياهو عن تعيين ديفيد زيني رئيسا للشاباك، خلفا لرونين بار، لكن القرار قوبل بانتقادات من المستشارة القضائية للحكومة ومن قيادات في الجيش الإسرائيلي. وقد تقدمت أحزاب معارضة بالتماسات إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد القرار، مما دفعها إلى تجميد الإقالة إلى حين النظر في الالتماسات.
العليا تقرّ تسوية
أخيرًا، أقرّت المحكمة العليا أمس الأحد 13.07.25 تسوية بهذا الشأن، في جلسة استماع سرية عُقدت خلف أبواب مغلقة. ووفقا للتسوية، سيقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 11 سبتمبر/أيلول المقبل اللجنة الاستشارية بالمرشح الذي ينوي اقتراحه.
وبموجب الاتفاق بين النائب العام والحكومة الإسرائيلية، ووفقا لاقتراح القضاة، لم يُذكر اسم ديفيد زيني، وفق الصحيفة. وخلال الجلسة السرية، اتضح أنه سيتم تقديم التماسات ضد أهلية زيني للمنصب، وليس فقط التماسات ضد إمكانية تعيين رئيس الوزراء له كما قُدّم حتى الآن، ولذلك ستناقش المحكمة هذه المسألة لاحقا.
إقالة المستشارة القضائية من منصبها
التوتر بين نتنياهو وميارا لم يتوقف عن حدّ المواجهات، إذ تسعى الحكومة بالفعل إلى إقالة المستشارة القضائية من منصبها، في إجراءات بدأ فيها بدأ وزير القضاء الإسرائيلي ياريف ليفين، في آذار/ مارس 2025.
وكان قد وجّه ليفين والوزير عميحاي شيكلي، انتقادات لاذعة لأداء المستشارة، في بيان مشترك صدر قبل أيام واتهماها بـ"إفشال سياسات الحكومة بشكل منهجي" والعمل ضدها من داخل جهاز الدولة.
وفي آخر تطوّرات القضية، رفضت المحكمة العليا، الأحد، الالتماسات التي طالبت بوقف جلسة الاستماع بشأن نية الحكومة إقالة ميارا، معتبرة أن الإجراء غير نهائي ولا يشكل خطوة لا رجعة فيها.
وكانت قد اتهمت جهات قضائية الحكومة بإطلاق "تهديد غير مسبوق" تجاه المحكمة العليا، عقب بيان حكومي جاء فيه أن "من غير المعقول أن تنصت المحكمة لمحاولة فرض الواقع القائم على الحكومة"، كما اعتبرت الحكومة أن تدخل المحكمة في منع الإقالة يمثّل تجاوزًا لصلاحياتها.