في تقرير من 14 صفحة، قدم الجيش الإسرائيلي تلخيصه لتحقيقات تفجّر أحداث 7 أكتوبر وما سبقها، وذلك في ظل موجة انتقادات لاذعة طالت التقرير قبل صدوره، وذلك لاعتباره شكليا لا يتطرق إلى تحميل كبار المسؤولين في الجيش المسؤولية عن تفجّر الأحداث.
واعتبر سياسيون وقادة العديد من الأحزاب التحقيق الذي أجراه الجيش بالأجوف، ولا يقدم إجابات حقيقية حول الإخفاقات التي أدت إلى انهيار المنظومة الأمنية والاستخباراتية التي سبقت الأحداث وأيضا خلال وقوع الأحداث باليوم نفسه.
وواجه تحقيق الجيش انتقادات واسعة من سكان الجنوب الذين لا زالوا يبحثون عن إجابات حول أسباب فشل المنظومة الأمنية بتوفير الحماية لها خلال الهجوم، بينما تساءلت وسائل إعلام عن عيوب كبيرة وردت في التقرير
وكان تقرير موسع لصحيفة "يديعوت أحرونوت" قد كشف عن ضغوط سياسية وعسكرية لتقييد نطاق التحقيقات التي أجراها الجيش، وحصر المسؤولية في مستويات متوسطة داخل الجيش دون تحميل القيادات العليا أي مسؤولية مباشرة.
وورد في الملخص الذي نشره الجيش، أن عدة مفاهيم كان قد اعتمدها الجيش سابقا، وانهارت بلحظة في صباح السابع من أكتوبر، ومن أبرزها اعتبار غزة على أنها عدو ثانوي، بحيث ركزت إسرائيل في العقود الأخيرة على إيران وحزب الله، بالإضافة إلى إمكانية كبح جماح حركة حماس، واعتبار أن حماس غير مهتمة ولا تستعد لحرب واسعة النطاق
ووفقا لملخص التحقيق، فإن استراتيجية الجيش ارتكزت على الدفاع والتنظيم ومحاولة منع التصعيد في حين تضمن سلوك حماس خداعا غذى وعزز هذا التصور.
واعتبر الجيش الإسرائيلي تهديد حركة حماس عليها بأنه محدود، وغير فوري، ما يكشف عن فجوة في "فهم العدو"، بحيث كان الافتراض هو أنه لن يكون هناك هجوم واسع النطاق دون سابق إنذار على إسرائيل من قبل حركة حماس، ويعزز الفكرة الخاطئة بأن إسرائيل تردعها استخدام القوة وفقا لما ورد في التقرير
من النقاط الذي شدد عليها التقرير أيضا تقليص عدد الدوريات على حدود غزة، والثقة المفرطة لدى مؤسسة الجيش خلال الاحتجاجات على الشروط الحدودي، بالإضافة الى انشغال المؤسسة الأمنية في التخطيط لسناريو حرب متعددة الجبهات والسيناريوهات.
واعتبر الجيش الإسرائيلي في تحقيقه أن أحداث 7 أكتوبر أدت الى انهيار مفهوم إدارة الصراع مع حركة حماس التي شنت هجوما واسعا ومفاجئا على الأرض في حين لم تقدم الاستخبارات تحذيرات، كما وانهارت فكرة إمكانية الدفاع على خط التماس
وتناولت التحقيقات أيضًا العملية التي أدت إلى قرار حماس بالهجوم، "استنادًا إلى مستندات تم العثور عليها في مقرات المنظمة واعترافات كبار القادة العسكريين الذين أسروا خلال الحرب"، وفق الجيش. وتشير التحقيقات إلى أن كبار قادة حماس بدأوا في مناقشة شن هجوم واسع على إسرائيل بعد نهاية عملية "الجرف الصامد" في 2014. وعندما تم اختيار يحيى السنوار قائدًا لحركة حماس في غزة، وضع خطة عُرفت لاحقًا بـ "جدار أريحا"، والتي كانت تهدف إلى مهاجمة قوات كبيرة من حماس لـ"كتيبة غزة" في الجيش الاسرائيلي بشكل مفاجئ وأسر جنود إسرائيليين.
ووفقًا لتحقيق الجيش فإن "السنوار هو من بادر إلى حملات التصعيد العنيفة على الحدود اعتبارا من 2018 في إطار احتجاج مسيرات العودة، على أمل أن يضغط ذلك على إسرائيل لتحسين ظروف الحياة في غزة، وبالتالي يمكن لحماس التركيز على تعزيز ذراعها العسكري. في تلك الفترة، اعتمدت القيادة السياسية في إسرائيل، بدعم من الاستخبارات العسكرية والجيش، سياسة السعي للتسوية مع حماس. وكان الافتراض السائد في إسرائيل أن تقديم المساعدة لسكان غزة سيشكل أداة ضغط على حماس لعدم المبادرة إلى التصعيد".
وأبرز نتائج التحقيقات: الحكومة والجيش وقعا ضحية لخداع وصدقوا أن حماس تسعى للتسوية، السنوار خرج أقوى بعد عملية "حارس الأسوار"، وفي إسرائيل ظنوا أنه أصبح خائفًا، الاستخبارات لم تأخذ بعين الاعتبار المعلومات التي كان من المفترض أن تهز فرضياتها، جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) رصد إمكانية نشوب حرب، لكنه لم يربط التهديد بحماس، لا توجد أدلة تشير إلى أن حماس قررت الهجوم نتيجة للاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي في إسرائيل
استنتاج: يجب تفضيل إزالة التهديد عبر الحدود على حساب الحفاظ على الهدوء الأمني
ووفق التحقيق، قبل عملية "حارس الأسوار" في 2021، "كانت حماس قد درست إمكانية تنفيذ خطة الهجوم، مع الافتراض أن إتمام بناء الجدار على الحدود سيمنع المنظمة من التسلل إلى إسرائيل عبر الأنفاق. وفي النهاية، قررت القيادة العليا لحماس عدم شن الهجوم بسبب ضعف الجاهزية وصعوبة تجنيد مقاتلين. في تلك المرحلة، كانت الخطة غير معروفة لجهاز الاستخبارات العسكرية. تشير التحقيقات إلى أن عملية "حارس الأسوار" كانت نقطة تحول، حيث بدأ الفارق بين الطريقة التي كانت إسرائيل تَفهم بها حماس وبين الواقع يتسع".
ووفق التحقيق، "في إسرائيل، تم الادعاء آنذاك أن عملية "حارس الأسوار" في 2021 قد ردعت السنوار وأن حماس ستحتاج إلى سنوات لاستعادة قدراتها، إلا أن الضرر الذي لحق بالمنظمة كان أقل من المعلن. وفي الوقت نفسه، استنتج الجيش الإسرائيلي أن العملية قد عززت مكانة السنوار، الذي تمكن من توحيد الصف الإيراني في المنطقة وإشعال تصعيد عنيف داخل الخط الأخضر. ومن خلال ذلك، وصل إلى استنتاج مفاده أن هزيمة إسرائيل في المعركة أمر ممكن، وبعد العملية صدرت أوامر لتأهيل الذراع العسكري لتنفيذ الخطة".
ووفقًا للتحقيقات، "في السنوات الأخيرة، تم الحصول على معلومات تشير إلى نوايا حماس، مثل ما حدث في 2018 عندما تلقى جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) تقارير عن نية حماس شن هجوم على إسرائيل بقوة 3,000 مقاتل، كان من المفترض أن يهاجموا المواقع العسكرية في الجنوب بالإضافة إلى استخدام نيران ثقيلة. لكن في جهاز الاستخبارات العسكرية اعتقدوا أن هذه الخطة غير واقعية. خلال العامين الأخيرين، تسارعت استعدادات حماس للهجوم، حيث قامت بتجنيد الناشطين وتدريبهم، بل أنتجت سلسلة تلفزيونية تحت اسم "قبضة الأحرار"، التي كانت في الواقع تصف خطط الهجوم. اعتبارًا من أبريل 2022، ناقشت قيادة حماس عدة مرات إمكانية شن الهجوم، وتم نقل تفاصيله إلى النشطاء في الذراع العسكرية دون علم جهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية".
ووفق التحقيق، في أيار 2022، تم عرض خطة "جدار أريحا" أمام رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، أهارون حليفا، والجنرال إليعازر تولدانو، قائد القيادة الجنوبية، واللواء آفي روزنفيلد، قائد فرقة غزة، حيث تم وصفها كـ "رؤية عامة" وليست خطة عملياتية معتمدة. وأشار تولدانو في هذا السياق إلى ضرورة أخذ احتمال أن تسعى حماس لتنفيذ هذه الخطة في الاعتبار. خلال عرض تقديمي في تشرين الثاني من نفس العام في مؤتمر لجهاز الاستخبارات العسكرية، كانت فكرة تنفيذ هجوم مفاجئ من قبل حماس عبارة عن بند صغير في الصفحة 35، بجانب تقدير يفيد بأن الهجوم المحتمل لن يشارك فيه أكثر من 70 مقاتلًا من المنظمة. وأوضح ضابط استخبارات القيادة الجنوبية في المؤتمر أن هذه الخطة هي "رؤية مستقبلية" لحماس وليست قابلة للتحقق دون تحذير مسبق.
بحلول بداية 2023، حدد جهاز الاستخبارات العسكرية تدهور الردع الإسرائيلي وإمكانات نشوب حرب متعددة الجبهات، ولكن حتى في تلك الفترة، لم يُنسب التهديد إلى حماس. في وثيقة قدمت لوزير الأمن، يوآف غالانت، في كانون الثاني، ذُكر أن حماس تسعى للحفاظ على الهدوء في الجنوب لضمان استمرار المساعدات للقطاع. في أيار من نفس العام، تم اتخاذ القرار في حماس بتنفيذ خطة الهجوم خلال فترة عيد "سمحات توراة". ويشير التحقيق إلى أنه لا يوجد دليل على أن ذلك كان نتيجة للاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي في إسرائيل.
ويحمل التحقيق وحدة البحث في جهاز الاستخبارات العسكرية المسؤولية عن غياب التحذير بشأن الهجوم، ويُعتبر أن هذه الوحدة كان يجب أن تشير إلى الأخطاء في التقييم المتعلق بحماس. ومع ذلك، تشير التحقيقات إلى أن الفشل كان ناتجًا عن "نظام كامل من المفاهيم السياسية والعسكرية، كان الجهاز السياسي أيضًا جزءًا منها. وكانت الفكرة الأساسية تقوم على أن حماس منظمة براغماتية يمكن التفاوض معها. على المستوى العسكري، كان الافتراض السائد أن تهديد حماس الرئيسي يتمثل في إطلاق الصواريخ، وأن قدراتها على تنفيذ هجوم بري كانت محدودة".
First published: 19:11, 27.02.25