مع اقتراب الخريف، هل فعلًا يتغيّر مزاجنا؟

تؤكّد الدراسات الحديثة أنّ هذه الظاهرة ليست مجرّد شعور عابر أو انطباع فردي بل إنّ العوامل المناخية تترك أثرًا مباشرًا على الصحة النفسية والسلوك الاجتماعي

1 عرض المعرض
بحيرة الحولة محطة استراحة لمئات آلاف الطيور المهاجرة بفصل الخريف
بحيرة الحولة محطة استراحة لمئات آلاف الطيور المهاجرة بفصل الخريف
بحيرة الحولة محطة استراحة لمئات آلاف الطيور المهاجرة بفصل الخريف
(فلاش 90)
مع تبدّل الفصول واقتراب الخريف، يلاحظ كثيرون تغيّرات واضحة في المزاج والسلوكيات، كالميل إلى الانعزال أو الاكتئاب، إلى جانب فقدان الاهتمام بالأنشطة المعتادة. وتؤكّد الدراسات الحديثة أنّ هذه الظاهرة ليست مجرّد شعور عابر أو انطباع فردي، بل إنّ العوامل المناخية، من تغيّر درجات الحرارة إلى تقلّص ساعات النهار، تترك أثرًا مباشرًا على الصحة النفسية والسلوك الاجتماعي والأنماط الحياتية اليومية.
وتُعرَف هذه الظاهرة علميًّا باسم الاضطراب العاطفي الموسمي (Seasonal Affective Disorder – SAD)، وهو شكل من أشكال الاكتئاب يتكرّر مع تغيّر الفصول. ووفق المعهد الوطني للصحة النفسية في الولايات المتّحدة (NIMH)، فإنّ الأعراض غالبًا ما تبدأ في أواخر الخريف مع تقلّص ساعات النهار، ثمّ تشتدّ خلال الشتاء لتتراجع تدريجيًا مع حلول الربيع والصيف. وتشمل هذه الأعراض انخفاض مستويات الطاقة، اضطرابات في النوم، تغيّرات في الشهية والوزن، فقدان الاهتمام بالأنشطة، إضافةً إلى مشاعر الحزن أو اليأس.

نوم في الشتاء، ضعف شهية في الصيف

وتختلف طبيعة الأعراض بحسب النمط الموسمي؛ حيث تزداد في الشتاء الحاجة إلى النوم، يكثر اشتهاء الكربوهيدرات ويظهر الميل إلى الانطواء الاجتماعي، فيما يرتبط الصيف بالقلق والأرق وضعف الشهية وما يرافقه من فقدان الوزن. وترتبط الحالة الشتويّة بعوامل بيولوجية متشابكة، منها انخفاض نشاط مادة السيروتونين الدماغية، وزيادة إفراز هرمون الميلاتونين، فضلًا عن نقص فيتامين D الناتج عن قلّة التعرّض لأشعّة الشمس؛ وهي جميعها عناصر أساسية في تنظيم المزاج ودورة النوم واليقظة.
ولا يقتصر أثر المواسم على الجانب النفسي فحسب، بل يمتدّ إلى السلوكيات الجسدية واليومية. فبحسب مراجعة علمية موسّعة نُشرت عام 2021، هناك علاقة وثيقة بين الفصول ومستويات النشاط البدني، إذ يزداد النشاط في الصيف والربيع، بينما يبدأ بالتراجع منذ الخريف ويبلغ أدنى مستوياته في الشتاء.
وتتجاوز هذه التحوّلات الإطار الفردي لتطال أنماط التفكير والقيم والعلاقات الاجتماعية؛ فقد أشارت دراسة صادرة عن الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتّحدة إلى أنّ القيم الأخلاقية نفسها تتأثّر بالفصول، إذ تبرز الروابط الاجتماعية بشكل أوضح في الربيع والخريف مقارنةً بالصيف والشتاء. وفي الاتّجاه نفسه، بيّنت أبحاث أخرى أن التغيّرات الموسمية تنعكس على مستويات التفاعل الاجتماعي، حيث تزداد اللقاءات والتجمّعات في الأشهر الدافئة بفعل طول ساعات النهار والعطل الصيفية، بينما يبدأ هذا الزخم بالتراجع مع دخول الخريف، وصولًا إلى الانحسار الأوضح في الشتاء.

إقبال على السوشيال ميديا في الشتاء

وينعكس ذلك أيضًا على العالم الرقمي، حيث تزداد، وفقًا للأبحاث، معدّلات النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي في أيّام البرد او الأمطار، ما يعكس تحوّلًا في أنماط التفاعل الإنساني بفعل المناخ. كما أشارت دراسات أخرى إلى أن التغيّر الموسمي قد يمتدّ ليؤثّر حتى على الطريقة التي يقيّم بها الناس القضايا الأخلاقية؛ حيث يزداد في الربيع والخريف الميل إلى التركيز على القيم الجماعية مثل التضامن والتعاون، بينما يضعف هذا الميل في الصيف والشتاء.
في المحصّلة، تؤكّد هذه الأبحاث أن الخريف ليس مجرّد فصل انتقالي عابر، بل بوّابة لبدء التحوّلات في المزاج والسلوك والقيم والعلاقات. ومع أن شدّة التأثير تختلف من شخص إلى آخر، فإن الثابت أن علاقتنا بالفصول ليست خارجية فحسب، بل تمتد إلى الداخل حيث تنعكس على عقولنا وأجسادنا وطرق تواصلنا مع الآخرين.