مخرج فيلم "لد": محاولات منع الفيلم زادت الاهتمام به

 مخرج الفيلم رامي يونس لراديو الناس: محاولات منع الفيلم بدأت قبل أكثر من عام عندما كان من المقرّر عرضه في مسرح السرايا العربي في يافا  

1 عرض المعرض
فيلم "لدّ": مدينة تتكلّم، ذاكرة تُقاوم، وخيالٌ يعيد رسم التاريخ
فيلم "لدّ": مدينة تتكلّم، ذاكرة تُقاوم، وخيالٌ يعيد رسم التاريخ
رامي يونس وفيلم لد
(تُستخدم هذه الصورة بموجب البند 27 أ من قانون الحقوق الأدبية (2007))
على مدار العامين الماضيين، تحوّل فيلم "لدّ" للمخرج رامي يونس والمخرجة الأميركية سارة إيما فريدلاند من عملٍ بصريّ تجريبيّ إلى عملٍ أثار حضورًا واسعًا في المهرجانات والفضاءات الثقافية داخل فلسطين وخارجها. لا يكتفي الفيلم بتوثيق ما جرى في مدينة اللدّ عام 1948، بل يذهب أبعد من ذلك: يعيد تخيّل المدينة من جديد، لتكن مدينة يتعايش فيها الناس أحرارًا متساوين.
ورغم لغته الفنّية، وجد الفيلم نفسَه في الأشهر الأخيرة وسط جدلٍ ثقافيّ واسع، بعد سلسلة محاولات لعرقلة عرضه داخل مدن عربية في البلاد، ما أعاد طرح السؤال القديم الجديد: هل بات الفن العربي بالداخل محاطًا بحدودٍ سياسية وقانونية؟ وهل يمكن للسينما أن تكون مساحة للرد وإعادة كتابة الذاكرة؟
عامٌ من الملاحقات والضغوط
يقول يونس، في حديثه لراديو الناس، إنّ محاولات منع الفيلم بدأت قبل أكثر من عام عندما كان من المقرّر عرضه في مسرح السرايا العربي في يافا، قبل أن "تظهر" فجأة تعليمات استندت إلى قانونٍ بريطانيّ قديم يعود إلى عام 1927 يشترط موافقة لجنة رقابة قبل عرض أي فيلم في البلاد. والمدهش، بحسبه، أنّ هذه اللجنة لم تُفعّل منذ الستينيات، واستُدعيت خصّيصًا لمنع "لدّ".
ويضيف يونس، انّها كانت تلك المرّة الأولى التي تُستخدم فيها الشرطة لعرقلة بثّ فيلم وطني داخل إسرائيل، ما اعتبره سابقة خطيرة. رغم ذلك، واصل الفيلم عروضه في مناطق مختلفة، من الناصرة إلى حيفا وتل أبيب وحتى الجامعة العبريّة في القدس؛ وفي كلّها، يقول يونس، امتلأت القاعات بالجمهور. فالفيلم، الذي صدر قبل أكثر من عامين، لم يخفت حضورُه؛ بل أصبح وجهةً لجمهورٍ يتوق لسينما تُعيد للذاكرة صوتها، وللخيال الفلسطيني مساحته.
عن الفيلم
"لدّ" ليس فيلمًا وثائقيًا تقليديًا؛ إنه عملٌ بصريّ يجمع بين الحقيقة والخيال، وبين الشهادات الأرشيفية ومشاهد الأنيميشن، التي تُعيد تخيّل المدينة من خلال شخصيّة حيّة تنطق وتروي تاريخها. في الفيلم، تظهر اللدّ كشخصيّة أنثوية تتكلّم بصوتِها الخاصّ، وتقدّم واقعًا موازيًا لفلسطين، يتعايش الناس فيها أحرارًا متساويين.
يقول يونس: "أردنا للمدينة أن تستعيد صوتَها. اللدّ كانت نجمة، لها ماضٍ وروح. والفيلم يحاول أن يعيد لها هذا الصوت". في المقاطع المتخيّلة، تظهر اللدّ كمدينة عربية تنبض بالحياة، مع جامعة ومؤسّسات ثقافيّة بمشهدٍ مدنيّ طبيعي؛ "الخيال هنا ليس هروبًا"، يقول يونس، "بل إعادة تعريف ما سُلب منّا. يستطيع الجيش أن يهدم بيتًا، لكنّه لا يستطيع أن يهدم القدرة على التخيّل".
شهادات من التاريخ
إلى جانب الخيال، يعرض الفيلم شهادات أرشيفية لجنود من "البلماح"، يعترفون صراحةً بقتل المدنيّين ووقوع مجزرة اللدّ عام 1948، إلى جانب شهادات ناجين محليين. ويشرح يونس: "وضع الروايتين لا يعني توازنًا بينهما. هذا توثيق لم يُعرض من قبل. أردنا الحقيقة من أفواه مرتكبي الجريمة، لا من الضحايا فقط"؛ ويضيف، أنّ الضحية العربيّة مُجبرة على إثبات جراحها مرارًا حتى تُصدَّق، ولذلك كان لا بدّ من كشف هذه المواد الأرشيفية وتقديمها كدليلٍ تاريخيٍّ موثّق لا يمكن إنكاره.
وبما أنّ الفيلم يعيد طرح سؤال الاعتراف بالنكبة ومسؤولية الجيش عن تهجير المدنيين، وهي ملفّات تحاول الدولة محوَها من السّرد التاريخي، كمال قال يونس، فإنّ أيّ إعادة فتحٍ للذاكرة تُقرأ بوصفها تحدّيًا مباشرًا للرواية الرسمية، ومحاولة لاستعادة ما تحاول المؤسّسة طمسه. لذلك، يرى يونس أنّ التضييق على الفيلم ليس إداريًا ولا تنظيميًا، بل رسالة ردع للمؤسّسات الثقافية العربية، مفادها أنّ السلطة هي من ترسم الحدود الثقافية.
رغم محاولات المنع – القاعة الممتلئة رسالةٌ أخرى
وكان الفيلم قد بُثَّ مؤخّرًا في حديقة مركز مساواة في حيفا، حيث فتح الأخير أبوابه لعرض الفيلم في ساحته، بعدما تجاهلت بلديّة حيفا طلبات العرض دون كلل؛ في حدثٍ وُصِف بأنه من أضخم الأنشطة التي استضافها المركز منذ تأسيسه. وبحسب يونس، لم تكن الأمسية عرضًا سينمائيًا عاديًا؛ إذ امتلأت الساحة بحوالي 250 مشاهد، كان لهم الفيلم مساحةً مشتركة للتذكّر والغضب والأمل، وتذكير بأنّ الفن قادرٌ على الوصول إلى النّاس رغم القيود ومحاولات الإسكات.
"أهمّ حملة تسويق مجّانية"
منذ عرضه الأوّل في مهرجان عمّان الدولي عام 2023، حقّق "لدّ" مسارًا لافتًا، ونال جوائز عدّة بينها جائزة اتّحاد النقابة العالمية لأفضل فيلم. ورغم الحرب وتداعياتها والتضييق الثقافي الذي ازداد حدّةً، استمرّ عرضه في العالم العربي وأوروبا والولايات المتّحدة. وبحسب يونس، فإنّ محاولات المنع في الداخل لم تُضعِف حضور الفيلم، بل أثارت اهتمامًا أكبر بالفيلم، حيث تواصلت وسائل إعلام أميركية معه فورَ انتشار الخبر، معتبرًا أنّ المنع تحوّل إلى "أهمّ حملة تسويق مجّانية".
إلى أين؟
نهايةً، يؤكّد يونس أنّه سيواصل عرض الفيلم أينما استطاع، وأنّه يعمل على مشاريع جديدة في السينما والصحافة، ويطمح لإطلاق مبادرة واسعة تعنى بحرّية التعبير في الفن الفلسطيني، معتبرًا المعركة ثقافية قبل أن تكون قانونية: "القاعات تمتلئ أينما نذهب. هذا بحدّ ذاته جواب".
بهذا المشهد، يبدو "لدّ" اليوم أكثر من فيلم: "مساحة فنّية تستعيد ذاكرة، وتختبر حدود الحرّية، وتذكّر بأنّ الخيال قد يكون أحيانًا الشكل الأخير من المقاومة."