تقرير جديد صادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي يتّهم حكومة ماكرون، وعلى رأسها الإليزيه، بالتستّر على ممارسات غير قانونية في قطاع المياه المعدنيّة. بحسب التحقيق، عملت شركة نستله إلى استخدام فلاتر محظورة وأشعّة فوق بنفسجية لمعالجة مياه تُسوّق كمياه "معدنية طبيعية"، رغم انّ القوانين الفرنسية والأوروبية تحظر تمامًا إخضاع هذا النوع من المياه لأي معالجة تؤثّر على خصائصها الأصلية.
التقرير، الذي استند إلى ستة أشهر من التحقيقات وأكثر من 120 جلسة استماع شملت كبار مسؤولي نستله، أشار بوضوح إلى أنّ الرئاسة الفرنسية كانت على علم بهذه الممارسات منذ عام 2022 على الأقلّ، لكنّها اختارت الصمت. وكانت نستله قد اعترفت عام 2024 باستخدامها لهذه الأساليب غير المصرّح بها، ودفعها لغرامة بقيمة مليونيّ يورو لتفادي الملاحقة القانونيّة، مؤكّدة في المقابل أنّ سلامة منتجاتها "لم تتأثّر" وانّها تصرّفت بشفافية أمام السلطات.
ورغم انّ الرئيس ماكرون نفى علمه بالموضوع، قائلًا "لا يوجد تواطؤ مع أحد"، أورد التقرير تفاصيل مقلقة حول اجتماعات جرت بين مسؤولين في الإليزيه ومديري نستله، وأشار إلى تعديلات أجريت على تقارير حكومية لتلبية طلبات الشركة. هذا وأفاد التقرير انّ الإليزيه وافق لاحقًا على خطّة لاستبدال الفلاتر المحظورة بعمليات "ترشيح مجهري" – وهي تقنيّة مثيرة للجدل قد تؤثّر على نقاء المياه الطبيعي – ما يتعارض مع اللوائح الأوروبية.
وخلال زيارة أجرتها اللجنة لمصنع تابع لنستله في جنوب فرنسا، تمّ توثيق وجود "خزائن منزلقة تُنفّذ خلفها المعالجات غير القانونية"، بحسب ما ورد في التقرير. مع ذلك، وفي جلسات الاستماع داخل مجلس الشيوخ، امتنع مسؤولو نستله عن الردّ على عدد من الأسئلة الجوهرية، ما اعتُبر رفضًا للتعاون من جهة الشركة.
تُقَدّر السلطات الفرنسية قيمة الاحتيال بأكثر من 3 مليارات يورو، في سوق تُباع فيه زجاجة المياه المعدنية بسعر قد يصل إلى 400 ضعف سعر مياه الحنفيّة. ورغم انّ التقرير لم يُثبت وجود ضرر صحّي مباشر على المستهلكين، إلا أنّه سلّط الضوء على تضليل واسع طال المستهلكين والسلطات المحلية على حدّ سواء، داعيًا إلى تشديد الرقابة وإعادة النظر في أنظمة إنتاج وتسويق المياه المعدنية.
لكن، بعيدًا عن الأرقام والمخالفات التقنيّة، يبقى الضرر الأعمق أخلاقيًا: شركة كبرى خالفت القوانين لسنوات، والدولة فضّلت الصمت. وبينما تُباع زجاجات Perrier على رفوف المتاجر كما لو أنّ شيئًا لم يحدث، تبقى ثقة المستهلك بالمنتج، وبالدولة الراعية له، موضع تساؤل.