4 عرض المعرض


استعدادات الطواقم الطبية في كابلان لاستقبال المصابين وتقديم العلاج الفوري
(تصوير: مستشفى كابلان)
تشهد أقسام الأمراض الباطنية في مستشفيات الشمال والمناطق البعيدة عن مركز البلاد في إسرائيل أزمة حادة، مع اكتظاظ غير مسبوق ونقص خطير في الطواقم الطبية، في ظل تطبيق خطة تقليص مناوبات الأطباء المتدربين، والتي كان يُفترض أن تُحسن ظروف العمل، لكنها وُوجهت بواقع صعب ونتائج عكسية على جودة العلاج.
في مستشفى "زيف" بمدينة صفد، استقبل قسم الأمراض الباطنية "ب" خلال أحد أيام هذا الأسبوع لوحده، أقل من 24 ساعة 18 مريضًا جديدًا، من بينهم امرأة تبلغ من العمر 107 سنوات. مدير القسم قال تعقيبا "هل وصلتنا حافلة؟"، وذلك خلال اجتماع صباحي شهد حضوره صحفيون، حيث عرض المتدرب الوحيد الذي كان في المناوبة الليلية قائمة المرضى الذين استقبلهم قائلاً: "ثلاثة أضعاف مما يستقبله أي مستشفى آخر في نفس الحجم".
ويعاني مستشفى "زيف"، الذي يخدم نحو 300 ألف نسمة من الجليل والجولان، من وجود قسمين للأمراض الباطنية فقط، وهو نفس العدد في مستشفى "بوريا" القريب، الذي يخدم عددًا مشابهًا من السكان. مدير قسم الأمراضي الباطنية في بوريا، د. إيال فوكس، وصف الوضع بقوله: "نستقبل بين 10 و15 مريضًا جديدًا يوميًا. الأطباء المتدربون لا ينامون، ويقولون لي مرارًا: لم أتمكن من مراجعة الدواء، لم أطلع على الفحوصات، لم أتعرف على الملف".
وفي ظل هذا الضغط الهائل، يضطر طبيب واحد أحيانًا إلى تغطية القسم بأكمله، بما في ذلك مرضى في حالة حرجة يحتاجون لعناية مشددة. يقول البروفيسور ريموند فرح: "هناك ستة مرضى موصولون بأجهزة تنفس، يجب أن يكون هناك طاقم طبي كامل لهم، ولكن الطبيب المتدرب وحده مسؤول عن الجميع. الوضع كارثي".
فشل خطة تقليص المناوبات
خطة تقليص مناوبات الأطباء المتدربين، التي انطلقت كـ"تجربة" في أيلول/سبتمبر من عام 2023، استهدفت بالأساس مستشفيات المناطق البعيدة عن المركز، بهدف تقليص الفجوة بين المركز وباقي البلدات، وتحسين ظروف العمل لتشجيع الأطباء على البقاء في المناطق البعيدة عن المركز. لكن بحسب مديري الأقسام، فإن هذه الخطة تسببت في تقليص عدد ساعات العمل الفعلية للأطباء المتدربين بنسبة تصل إلى 50% خلال أيام العمل المركزية، دون توفير طواقم بديلة.
في مستشفى "زيف"، على سبيل المثال، يغيب ستة أطباء متدربين يوميًا عن القسم بسبب نظام التناوب الجديد، بحسب د. حافسا غرين، مديرة قسم باطني في مستشفى "كابلان". ويؤدي هذا النقص إلى ضغط يومي كبير في الصباح، حيث تكون ساعات العمل الحيوية.
ويؤكد د. فوكس من بوريا: "بدلاً من خمسة أطباء متدربين في الصباح، يكون لديّ اثنان أو ثلاثة، وأحيانًا واحد فقط. هذا غير كافٍ لإدارة قسم فيه 40 مريضًا".
"اختصاص البلدات النائية" مقابل "اختصاص المركز"
تُظهر المعطيات فجوة صارخة في جودة التدريب الطبي بين المركز وبلدات الشمالي والمناطق البعيدة عن المركز. فقط 27% من متدربي أقسام الأمراض الباطنية في مستشفيات الشمال والبلدات الريفية اجتازوا امتحان التخصص المرحلي الأول في العام الماضي، مقارنة بأكثر من 80% في مستشفيات المركز. وتُعزى هذه الفجوة جزئيًا إلى الفارق في مستوى التعليم الطبي، إذ إن غالبية المتدربين في مشافي الشمال هم من خريجي جامعات أجنبية، خاصة من دول أوروبا الشرقية.
يقول أحد المتدربين العرب في مستشفى زيف: "في قسمنا لا يوجد أي ناطق بالعبرية، 90%-95% من المتدربين هم من السكان العرب، والخريجون من الجامعات المتقدمة لا يرغبون بالبقاء هنا رغم الحوافز المالية".
وتوضح د. غرين أن بعض خريجي الجامعات الأجنبية يصلون بمستوى أقل من نظرائهم المحليين، مما يستلزم جهداً تدريبياً أكبر لا توفره الظروف الحالية.
المتدربون: تحسن بالحياة الشخصية مقابل تدهور مهني
من جانبهم، يشيد المتدربون بتحسن جودة حياتهم الشخصية بفضل تقليص ساعات النوبات، ما أتاح لهم وقتاً أكبر للعائلة والتعلم، إلا أن كثيرين أبدوا قلقهم من ضعف التأهيل العملي. تقول متدربة في الشمال: "في بعض الأسابيع، أكون موجودة في القسم في الصباح ليوم واحد فقط. أذهب للمناوبة دون معرفة المرضى، وأحيانًا أُستدعى لحالات طارئة دون أن أكون مطلعة على تفاصيل المريض".
ويصف متدرب آخر كيف أدت ظروف العمل إلى تشخيص خاطئ لحالة التهاب رئوي، تبين لاحقاً أنها إصابة في العمود الفقري تم اكتشافها فقط لاحقًا بسبب ضغط العمل.
دعوات لإلغاء الخطة وتحسين ظروف العمل
يرى مدراء الأقسام أن وزارة الصحة تدرك فشل خطة تقليص المناوبات، لكنها ترفض الاعتراف بذلك رسمياً. ويطالبون بإلغائها فوراً، أو على الأقل توفير عدد كافٍ من الأطباء لتعويض النقص. كما دعوا إلى تحسين شروط العمل والأجور لاستبقاء الأطباء الأكفاء في الأطراف.
في المقابل، تقول وزارة الصحة إنها بصدد صياغة خطة جديدة تأخذ بعين الاعتبار ملاحظات الميدان. وأكدت أنها أجرت لقاءات مباشرة مع طواقم طبية في المستشفيات المختلفة في إطار استخلاص العِبر من تطبيق الخطة الحالية.
أما منظمة "مرشام" التي تمثل الأطباء المتدربين، فدافعت عن الخطة، مشيرة إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في النقص المزمن في التوظيف وليس في مبدأ تقليص المناوبات. وقالت إن تقصير المناوبات "حق إنساني أساسي ومعيار عالمي"، داعية إلى تخصيص ميزانيات إضافية وتوظيف فوري لسد النقص، دون التراجع عن المكاسب التي تحققت.
لكن في ظل المعاناة اليومية، يرى العديد من الأطباء أن استمرار الوضع الحالي يُهدد جودة الرعاية، ويزيد من الوفيات، ويعمّق الفجوة بين المركز والأطراف. وكما يقول البروفيسور فرح: "المشكلة ليست فقط في الضغط، بل في فقدان القدرة على تقديم طب إنساني حقيقي".