في مقابلة عبر أثير "راديو الناس"، تناول المؤرخ بروفيسور مصطفى كبها، رئيس دائرة تاريخ الشرق الأوسط في الجامعة المفتوحة ورئيس مجمع اللغة العربية، الأوضاع الراهنة في محافظة السويداء السورية، عائدًا إلى تاريخ جبل العرب جنوب سوريا الذي يشكل فيه الدروز اغلبية كبرى، مؤكدًا على ضرورة استخلاص العِبر وإعادة قراءة الخطابات المجتمعية والهوية القومية من منظور جامع لا يفرّق.
السويداء: الجرح النازف والتاريخ العريق
البروفيسور مصطفى كبها: الدروز عرب أقحاح وجزء أصيل من النسيج القومي
استوديو الخميس مع فراس خطيب
09:24
استهل بروفيسور كبها حديثه بالتعبير عن حزنه العميق لما يجري في محافظة السويداء، مؤكدًا أن ما يحدث هناك "مؤلم جدًا"، مشددًا على ضرورة "إعادة حسابات جماعية" على مستوى المنطقة بأسرها، وقال: "ما يجري يحتّم علينا جميعًا أن نعيد الكثير من الحسابات. لماذا وصلنا إلى هنا؟ وكيف وصلنا؟"
وأشار إلى أن محافظة السويداء، التي تعتبر إحدى أكبر تجمعات العرب الدروز في الشرق الأوسط، "ليست مجرد منطقة جغرافية، بل هي نقطة محورية في الذاكرة الجماعية السورية والعربية، لاسيما أنها كانت منطلقًا لثورة عام 1925 بقيادة سلطان باشا الأطرش، أحد أبرز رموز الحركة الوطنية السورية والقومية العربية."
الدروز: مكون أصيل لا يمكن فصله
3 عرض المعرض
دروز من قرية يركا يلوّحون بأعلام الطائفة الدرزية خلال تظاهرة دعم لإخوانهم الدروز في سوريا 2015
(فلاش 90)
وفي سياق حديثه، شدد البروفيسور كبها على أهمية تجاوز الخطاب الطائفي الضيق، مشيرًا إلى أن ما يجمع أبناء المنطقة أكثر بكثير مما يفرّقهم، وقال: "تأكيد القواسم المشتركة ليس خيارًا، بل هو واجب علينا أن نفعله، كي نستمر في تعايش دام آلاف السنين، تعايش مبني على التعددية والوطن الواحد والقومية الواحدة واللغة الواحدة والعادات الواحدة."
كما أكد أن الدروز مكون أساس في الجسد العربي، قائلاً: "الدروز هم عرب أقحاح، وجزء من هذا الشعب، وليس لهم مكان آخر ولا وطن آخر."
ودعا إلى الكف عن استخدام مصطلحات تُكرّس التفتيت، موضحًا: "عندما نستعمل مصطلح أقليات، نحن نستعمل مصطلحًا يقصد منه التفتيت. علينا الحديث عن مركبات في الجسد الواحد، وليس أقليات."
الجغرافيا والتاريخ: علاقة الدروز بالجبال
وحول تمركز التجمعات الدرزية في الجبال، سواء في لبنان أو سوريا أو فلسطين، أوضح كبها أنّ لها أبعادًا تاريخية ومذهبية، حيث كان الدروز تاريخيًا مذهبًا انشق عن الشيعة الإسماعيلية، ما دفعهم للعيش في أماكن نائية حفاظًا على أمنهم وهويتهم، وأضاف: "القرى الدرزية في لبنان وسوريا ومعظمها في الجبال، نشأت بسبب التوترات المتكررة، وكانت تهدف إلى الحفاظ على خصوصية وهوية هذا المكون."
وفي إشارة إلى دروزالبلاد قال بروفيسور كبها إن على المجتمع أن يعيد النظر في طريقة تعاطيه مع هذا المكون: "لدينا في الداخل حاجة ماسة للتأكيد على عروبة الدروز، وهذا ليس من باب المجاملة، بل وفق كل معيار قومي."
وتطرق إلى قانون القومية الإسرائيلي لعام 2018 كمثال صارخ على الإقصاء، قائلًا: "قانون القومية أكد على ما أقوله، عندما استثنى الدروز من الهوية الجماعية في الدولة، ووضعهم خارج الجدار الذي بناه هذا القانون."
دعوة لحوار جديد
وفي ختام مداخلته، وجّه البروفيسور كبها دعوة واضحة لإعادة صياغة الخطاب المجتمعي على أسس جديدة، تنطلق من احترام الآخر، وبناء الحوار على القواسم المشتركة: "علينا بناء أطر مشتركة وحوار مبني على عملية تنظيف كل الرواسب، وفتح صفحة جديدة من تأكيد القواسم المشتركة. وهذا، كما قلت، ليس خيارًا بل واجبًا."
وختم بتعبير عن أمله في عودة السلم الأهلي وفتح الحوار الحقيقي، مؤكدًا أن اللحظة الراهنة تستوجب التحلي بالمسؤولية الأخلاقية والقومية تجاه المستقبل المشترك لجميع أبناء المنطقة.