في الوقت الذي وعد فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرد على أي عملية انتقامية إيرانية على قصف منشآت إيران النووية بـ"قوة أكبر بكثير" من تلك المستخدمة في الهجوم الدراماتي الذي أمر به في عملية "مطرقة منتصف الليل"، تُطرح تساؤلات واسعة في وسائل الإعلام حول سبل الرد الإيراني على الضربة الأمريكية التي توصف بالـ"حاسمة".
واشنطن تحذر من "ردّ مدمّر"
مساء أمس، أكدت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة طارئة في مجلس الأمن، أن بلادها ستوجه "ردًا مدمرًا" حتى على أي هجوم "غير مباشر" – في إشارة للقوات المسلحة الموالية لإيران – في حين تعهدت السلطات الإيرانية الرسمية بالرد "في الوقت والحجم والطريقة" التي يختارها جيشه، فيما أعلنت الولايات المتحدة حالة تأهب قصوى.
واشنطن تخشى ردا إيرانيا قريبا
وقال مصدران أمنيان تحدثا مع شبكة NBC الأميركية هذه الليلة إن الخوف الأكبر هو من رد إيراني خلال الـ48 ساعة المقبلة. وأوضحا أن من غير الواضح ما إذا كان الانتقام الإيراني سيحدث داخل الأراضي الأميركية أو خارجها، فيما أفادت الشبكة نفسها أن إيران هددت – في "رسالة شخصية" نقلت إلى ترامب – بأنها ستفعّل "خلايا نائمة" داخل الولايات المتحدة إذا أمر بمهاجمة المنشآت النووية.
القلق الأمريكي: هجمات في الداخل
وذكر مصدران أميركيان مطلعان على تفاصيل التهديد أن الرسالة نقلت إلى ترامب عبر وسيط خلال قمة مجموعة السبع التي عقدت الأسبوع الماضي في كندا – والتي غادرها ترامب مبكرًا لإجراء مشاورات حول الحرب مع إيران، وهي مشاورات قادته في النهاية إلى الانضمام إلى الحملة التي بدأت بها إسرائيل، وإصدار أوامره بالهجوم فجراً على منشآت نووية في فوردو، نطنز وأصفهان.
وفقا لوسائل إعلام محلية ووكالات، فإن إيران تحاول منذ سنوات تنفيذ هجمات حول العالم، مستهدفة بشكل أساسي مصالح إسرائيلية، ومؤخرًا أُحبطت عملية جديدة في قبرص باعتقال بريطاني من أصل أذري يُشتبه بانتمائه للحرس الثوري الإيراني، وقالت إن العملية كانت ستستهدف إسرائيليين. كذلك كانت إيران مسؤولة عن هجمات سابقة استهدفت المصالح الأميركية، منها تفجيرات 1983 ضد السفارة الأميركية وقاعدة عسكرية في بيروت، التي أسفرت عن مقتل مئات الأميركيين.
تقرير يحذر من خلايا نائمة
وفي السنوات الأخيرة كُشف عن عدة عمليات إيرانية لاغتيال شخصيات بارزة في الولايات المتحدة، أبرزها محاولة فاشلة لاغتيال ترامب نفسه انتقامًا لأمره في 2020 باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني. وبعد مقتل سليماني في بغداد، ردت إيران بإطلاق صواريخ على قواعد أميركية في العراق، وهو هجوم امتنع ترامب حينها عن الرد عليه لأنه لم يسفر عن قتلى أميركيين، بل عن إصابة العشرات.
وبعد تقرير NBC بشأن تهديد تفعيل خلايا نائمة، رفعت الإدارة الأميركية مستوى التأهب، إذ أصدرت وزارة الأمن الداخلي في واشنطن تحذيرًا عامًا من "خطر إرهابي" بسبب مخاوف من اضطرابات داخلية جراء انخراط أميركا المباشر في الحرب ضد إيران. كما أصدرت وزارة الخارجية تحذيرًا عالميًا يحث المواطنين الأميركيين على توخي الحذر في الخارج بسبب مخاوف من احتجاجات معادية واضطرابات في حركة الطيران بالشرق الأوسط.
وجاء في بيان وزارة الأمن الداخلي أن "الصراع المستمر مع إيران يخلق بيئة أمنية متوترة داخل الولايات المتحدة"، ومن المرجح أن "تتحرك قوات موالية لإيران أو متعاطفون مع تحت تأثير التحريض، بما في ذلك إمكانية أن يصدر النظام الإيراني فتوى دينية تدعو لاستهداف المصالح الأميركية" وفقا لنص البيان. وأكد البيان أنه لا يوجد تهديد محدد حتى الآن، لكن هناك "احتمال متزايد لهجمات إلكترونية وجرائم كراهية معادية للسامية وعنف سياسي".
عيون شاخصة نحو جبهتي العراق ولبنان
التحذيرات نبهت أيضًا من دعوات متزايدة لاستهداف المصالح الأميركية من جانب حماس وحزب الله والحوثيين، ودعت الجمهور إلى اليقظة ومتابعة التنبيهات المحلية والإبلاغ عن أي نشاط مشبوه.
وبعد تهديد الحوثيين أمس بالانضمام للمعركة ومهاجمة أميركا، يبدو أن القوات الموالية لإيران في العراق – التي التزمت الحذر حتى الآن مثل حزب الله – قد تهاجم المصالح الأميركية. وأفادت "نيويورك تايمز" أن الجيش والمخابرات الأميركية رصدوا مؤشرات على استعداد الميليشيات في العراق لشن هجمات هناك وربما أيضًا في سوريا ضد القواعد الأميركية، فيما تحاول الحكومة العراقية ثني هذه الميليشيات عن ذلك.
ونقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربة من حزب الله عن مصادر في بغداد أن بعض القوات دخلت حالة تأهب، وأعادت نشر قدراتها القتالية ونقلت معدات إلى أماكن آمنة. وقال قائد في إحدى القوات للصحيفة إنهم "أكملوا التحضيرات اللوجستية والعسكرية لتنفيذ هجمات دقيقة ضد القواعد الأميركية في حال صدور أي أمر من قيادة المحور"، مشيرًا إلى أن الرد سيكون مؤلمًا وربما يبدأ من العراق.
إيران بدورها، أكدت مجددًا أنها سترد في إطار ما تصفه بحقها في "الدفاع عن النفس"، وقال سفيرها في الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني إن "توقيت الرد ونوعه وحجمه ستحدده قواتها المسلحة"، واتهم "مجرم الحرب المطلوب" (في إشارة إلى نتنياهو) بأنه جر الولايات المتحدة إلى حرب جديدة مكلفة وبلا أساس – وفقا لتصريحه في الأمم المتحدة.
من جانبها، قالت مندوبة أميركا لدى الأمم المتحدة، دوروثي شيا، إن إيران "أضاعت الوقت" في محادثات النووي، وحذرت من أن "أي هجوم إيراني، مباشر أو غير مباشر، على أميركيين أو قواعد أميركية سيواجه برد مدمر".
إيران في قلب ورطة ضربات قاتلة لمحورها
وتواجه إيران معضلة كبيرة قبل تنفيذ الانتقام الموعود، إذ يرى الخبراء أن ما يسمونه بـ"محور المقاومة" الذي بنته إيران يتفكك منذ هجوم 7 أكتوبر، وحزب الله تجنب الانخراط حتى الآن بعدما تضرر بشدة من ضربات إسرائيل. وتدرك إيران أن أي هجوم على المصالح الأميركية سيقابل برد قاسٍ، بينما عدم الرد سيضعف وحدة النظام داخليا، خاصة في ظل ما تقول عنه وسائل إعلام إسرائيلية بـ"استياء شعبي متزايد من فرض الدين والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد".
ويتوقع الخبراء أن يكون رد إيران محسوبًا ومحدودًا لمنح نفسها "مخرجًا" من التصعيد، وربما تؤجل الرد حتى تستعيد قوتها. كما قد تحاول تكثيف إطلاق الصواريخ على إسرائيل رغم تدمير نحو 200 منصة إطلاق لها حتى الآن.
وأخيرًا، قد تحاول إيران استهداف قواعد أميركية في دول أخرى بالمنطقة أو حتى تهدد بإغلاق مضيق هرمز، رغم أن ذلك قد يكون "انتحارًا استراتيجيًا" يلحق بها الضرر الكبير، ويثير غضب حلفائها مثل الصين.