يؤكد تحقيق صحفي إسرائيلي نُشر اليوم الجمعة أن قوات الجيش الإسرائيلي تقتل المدنيين الفلسطينيين المتدفقين على مراكز المساعدات الإنسانية عمدًا، دون أي مبرر. واستندت صحيفة "هآرتس" العبرية في تحقيقها إلى شهادات جنود وضباط إسرائيليين أفادوا بأنهم تلقّوا خلال الشهر الماضي تعليمات من قياداتهم بفتح النار على الجماهير الفلسطينية غير المسلحة، بحجة إبعادهم عن مراكز توزيع المساعدات، رغم أنهم لم يشكلوا أي تهديد.
وكشفت "هآرتس" أن النيابة العامة الإسرائيلية طلبت فتح تحقيق للتثبت مما إذا كان الحديث يدور عن جرائم حرب.
يُشار إلى أن صحيفة "هآرتس"، التي غرّدت خارج السرب الإعلامي العبري منذ بداية الحرب، ونقلت وقائعها، وأكدت وقوع جرائم إبادة، كانت قد كشفت في عام 2009 عن ارتكاب جنود الجيش جرائم حرب خلال عملية "الرصاص المصبوب" التي شنتها إسرائيل على غزة في أواخر عام 2008، وذلك استنادًا إلى شهادات جنود.
وفي التحقيق الموسّع، تنقل "هآرتس" عن أحد الجنود قوله:"غزة تشهد حالة من الفوضى الكاملة فيما يتعلق بما يُسمى 'طهارة السلاح'."
ووفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، فقد قُتل 549 فلسطينيًا منذ 27 مايو/أيار الماضي، في محيط مراكز توزيع المساعدات، وفي مناطق كان السكان ينتظرون فيها شاحنات الغذاء التابعة للأمم المتحدة. وتقول الصحيفة إن نحو 4,000 فلسطيني أُصيبوا خلال هذه الفترة، إلا أن العدد الدقيق للضحايا بنيران الجيش الإسرائيلي ما زال غير معروف.
وتوضح "هآرتس" أنها علمت بأن النيابة العسكرية طلبت من القيادة العامة للجيش فتح تحقيق رسمي في شبهات ارتكاب جرائم حرب في محيط مراكز المساعدات. كما أشارت إلى أن "صندوق المساعدات الإنسانية لغزة" بدأ عمله قبل خمسة أسابيع، وبنى أربعة مراكز فقط، في ظل غموض يكتنف ظروف إنشائه وموارد تمويله، رغم علم الصحيفة بأن إسرائيل أقامته بالتعاون مع جهات أمريكية غير رسمية، ويديره أميركي مقرّب من ترامب وينتمي إلى التيار الإنجيلي.
وأكدت الصحيفة أن الصندوق لا يوزع المواد الغذائية بانتظام كما وُعِد، بل يسود محيطه حالة من الفوضى، تدفع المدنيين المجوّعين إلى الانقضاض على صناديق الإغاثة. وفي ما وصفته بـ "مجزرة المؤن"، أوضحت الصحيفة أنها رصدت 19 عملية إطلاق نار على المدنيين المنتظرين في طوابير المساعدات، رغم أن هوية مطلقي الرصاص ليست واضحة دائمًا، إلا أن الجيش الإسرائيلي – بحسبها – لا يسمح لأي مسلح بالاقتراب من مواقع التوزيع دون علمه.
"يقتلون المدنيين بالرشاشات"
تقول "هآرتس" إن مراكز التوزيع تُفتتح عادة خلال النهار، لكن الجيش يُطلق النار على المواطنين قبل فتحها، أو بعد إغلاقها لتفريقهم. وتضيف:
"في بعض الحالات، جرت عمليات إطلاق نار ليلية، مما يُرجّح أن الغزيين لم يكونوا يرون حدود الموقع، وهو ما حول المناطق المحيطة به إلى ساحات قتل."
وتنقل الصحيفة عن أحد الجنود قوله:"في المكان الذي كنت فيه، كان يُقتل مدني فلسطيني أو أكثر كل يوم – من واحد إلى خمسة يوميًا. الجنود يطلقون النار وكأنهم في معركة ضد جنود معادين. لا يُستخدم الغاز المسيل للدموع، بل الرصاص المباشر، مدافع رشاشة، راجمات، قنابل... وفقط عند افتتاح المركز، يتوقف إطلاق النار. نحن نتحدث معهم بلغة النار."
وتتابع الصحيفة:"يُطلق الجنود الرصاص من مئات الأمتار في حال حاول أي فلسطيني التقدم لأخذ دور. وأحيانًا يهاجم الجنود الناس عن قرب دون أن يكون هناك أي خطر عليهم. لم نُسجل أي إطلاق نار من الجانب الآخر، ولا وجود لسلاح أو عدو. هذه العملية تُعرف بين الجنود باسم: عملية السمك المالح."
"حالة توحش"
في ظل منع دخول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة، تنقل "هآرتس" عن ضباط قولهم إن الجيش لا ينشر توثيقات لما يحدث في محيط مراكز التوزيع، ويكتفي بالقول إن إنشاء "صندوق المساعدات" حال دون انهيار الشرعية الدولية لمواصلة الحرب.
وقال جندي احتياط عاد مؤخرًا من شمال غزة:
"غزة لم تعد تهم أحدًا. المكان صار له قوانينه الخاصة، وحياة الناس لم تعد ذات قيمة. فقدانها لم يعد حتى يُعتبر حدثًا مؤسفًا."
وأضاف ضابط آخر يعمل في تأمين مركز توزيع:"أن تكون وسيلة الاتصال الوحيدة بين الجيش والمدنيين الجوعى هي إطلاق النار، فهذا أمر إشكالي جدًا، بلغة مخففة."وفي شهادة أخرى لضابط شارك ميدانيًا:"ليس من الأخلاقي أن تصل المساعدات أو لا تصل من خلال نيران الدبابات والقناصة. رأيت بعيني قتل مجموعة كبيرة من المدنيين في الليل وهم يتقدمون تحت الضباب نحو مركز توزيع. أُطلق عليهم الرصاص من الرشاشات، وقُصِفوا بالقنابل. حتى لو كان بينهم أفراد من حماس، فهم جاؤوا بحثًا عن طعام."
وأشار ضابط آخر إلى غياب جدول زمني واضح للتوزيع، ما يدفع المدنيين للتجمهر دون معرفة توقيت التوزيع، فيزداد الضغط والفوضى والخطر.
وفي تقرير موازٍ للصحفي نير حسون نشرته الصحيفة ذاتها، نقل عن وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد قتلى الحرب بلغ 56 ألفًا، مشيرًا إلى أن الرقم الحقيقي مضاعف.