يعيش سوق العقارات في البلاد واحدة من أكثر مراحله هشاشة منذ عقدين، وسط تباطؤ حاد في المبيعات، وتراجع في الأرباح، وارتفاع في الديون التي تهدد استقرار الشركات العاملة في القطاع. وترسم تقارير شركات التصنيف الائتماني “مدروغ” و“ستاندرد أند بورز” صورة قاتمة لواقع السوق، مع توقعات بانخفاض الأسعار واستمرار موجة الإفلاسات حتى عام 2026، قبل أن يبدأ أي تعافٍ محتمل.
بحسب تقرير “مدروغ” (Midroog)، فإن الطلب على الشقق الجديدة تراجع بشدة منذ مطلع عام 2025، نتيجة بقاء أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة، وتراجع قدرة المواطينن على الحصول على قروض لتمويل شرائهم للشقق بعد سنوات من التضخم. وخلال الفترة بين يناير وأغسطس 2025، بيعت 15,206 شقق جديدة فقط في البلاد، بانخفاض نسبته 33% مقارنة بالعام السابق. هذا الانكماش ترافق مع زيادة ضخمة في المخزون غير المباع الذي بلغ 82.5 ألف وحدة سكنية بنهاية يوليو، وهو رقم قياسي يمثل ارتفاعًا بنسبة 20% عن العام الماضي.
توضح الشركة أن العرض فاق الطلب بشكل غير مسبوق بسبب زيادة وتيرة البناء بنسبة 23% خلال الاثني عشر شهرًا الأخيرة، إضافة إلى إصدار تراخيص جديدة لمشاريع عقارية لم تُنفذ بعد. ويعكس ذلك تحوّل السوق من مرحلة الطلب القوي إلى مرحلة تشبّع، حيث تتوقف الأسعار على الظروف الاقتصادية، إذ تؤدي الفائدة المرتفعة أو ضعف ثقة المشترين إلى كبح ارتفاع الأسعار وإبطاء المبيعات.
الضغوطات امتدت أيضًا إلى ميزانيات الشركات. فالمطورون العقاريون مضطرون إلى تمويل مشاريعهم عبر قروض مصرفية بفوائد مرتفعة في ظل ركود المبيعات، ما يؤدي إلى تآكل الأرباح وزيادة كلفة الديون. كما أن تسهيلات الدفع التي قدمتها الشركات خلال عام 2024 لزبائنها، مثل تأجيل الدفعات أو تخفيض الأسعار، انعكست سلبًا على هامش الربح الإجمالي.
تحليل “مدروغ” لنتائج 17 شركة عقارية مدرجة في البورصة أظهر أن 10 منها شهدت تراجعًا في ربحها الإجمالي خلال النصف الأول من 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وأن 6 شركات سجلت انخفاضًا يفوق 10%. السبب الرئيسي هو ارتفاع أسعار مواد البناء، والتأخير في استكمال المشاريع، وارتفاع تكاليف التمويل البنكي لها منذ عامي 2022–2023. إلى جانب ذلك، لا تزال بعض الشركات تتحمل ديونًا ضخمة بسبب شرائها أراض بأسعار مرتفعة خلال سنوات الازدهار السابقة، ما يزيد العبء المالي عليها ويضعف قدرتها على مواجهة فترة الركود.
وترى “مدروغ” أن الوضع الحالي يرفع احتمال تزايد حالات الإفلاس بين الشركات الصغيرة التي تعمل في نطاق جغرافي محدود وتعتمد على مشاريع قليلة ذات هامش ربح منخفض، بينما تستطيع الشركات الكبرى التي تمتلك مشاريع متنوعة الصمود بشكل أفضل.
تقرير “ستاندرد أند بورز”
أما وكالة “ستاندرد أند بورز” (Standard & Poor’s)، فتصف السوق بأنه في “شبه ركود تاريخي”، مشيرة إلى أن عدد مشاريع البناء الجديدة لا يزال مرتفعًا رغم التباطؤ في المبيعات. فقد ارتفعت وتيرة البناء في عام 2024 بـِ67 ألف شقة جديدة مقارنة بـِ64 ألف شقة جديدة في 2023، لكن المبيعات لم تواكب هذا النمو. هذا الاختلال بين العرض والطلب زاد من عدد الشقق غير المباعة، في وقت تباطأ فيه تنفيذ المشاريع بسبب نقص الأيدي العاملة بعد غياب العمال الفلسطينيين، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف البناء بنحو 5% خلال عام واحد.
تُظهر بيانات الوكالة أيضًا أن أسعار الشقق انخفضت بأكثر من 2% بين يونيو وأغسطس 2025، وأن الانخفاض الفعلي أكبر من ذلك إذا حُسبت الخصومات التي يقدمها المقاولون لتسريع المبيعات، ما يشير إلى تراجع حقيقي في القيمة الشرائية للعقارات. كما ارتفعت تكاليف التمويل بشكل حاد، بعدما اضطرت الشركات إلى الحصول على قروض جديدة مرتبطة بسعر الفائدة الأساسي (الـ«برايم»)، وذلك بسبب انخفاض الدفعات المسبقة من الزبائن واعتمادهم على خطط تقسيط طويلة.
ومع استمرار ضعف المبيعات، لجأت الشركات إلى حملات تسويق مكلفة وخصومات كبيرة لاستقطاب المشترين، ما زاد من الضغط على الأرباح، وأدى إلى تباطؤ التدفقات النقدية، وهو مؤشر خطير بالنسبة لشركات تعتمد على السيولة لتسديد فوائد الديون. وتؤكد وكالات التصنيف أن قدرة العديد من الشركات على سداد الفوائد باتت مهددة، وأن معدل الإفلاسات سيواصل الارتفاع خلال عامي 2025 و2026، خاصة بين الشركات ذات المديونية العالية.
في المقابل، ترى “ستاندرد أند بورز” أن احتمال خفض الفائدة في عام 2026 قد يشكّل نقطة تحول. فخفض الفائدة المتوقع مع استقرار الأوضاع الجيوسياسية يمكن أن يؤدي إلى انتعاش تدريجي في المبيعات خلال النصف الثاني من 2026، مدفوعًا بنمو سكاني مستمر وتحسن ظروف التمويل. عندها فقط قد تتوقف الأسعار عن التراجع وتبدأ بالصعود بوتيرة معتدلة.
First published: 19:35, 21.10.25


