بين جبل الطور والأزهر: رحلة عيسى عونه في توثيق علماء فلسطين

أصدر الكاتب عيسى عونه موسوعة توثق علماء الأزهر من فلسطين منذ القرن السادس عشر، إضافة لكتب عن عشيرته عرب الصبيح وموسوعة للأمثال البدوية، جامعًا بين التدريس، البحث، والزراعة، ومستمرًا بدور اجتماعي عبر زيارة المرضى والمسنين  

1 عرض المعرض
بين جبل الطور والأزهر: حكاية الكاتب والمربي عيسى عونه
بين جبل الطور والأزهر: حكاية الكاتب والمربي عيسى عونه
بين جبل الطور والأزهر: حكاية الكاتب والمربي عيسى عونه
(راديو الناس)
في قرية عرب الشبلي عند سفح جبل الطور، يواصل الكاتب والمربي عيسى محمد ذياب عونه نسج خيوط ذاكرة جماعية تنوء بحمل خمسة قرون من التاريخ الفلسطيني. لم يتوقف عونه، المولود عام 1952، عند التدريس لأكثر من أربعة عقود، بل انصرف في مسيرته إلى التوثيق والتأليف، جامعًا بين حب الأرض والكتاب، وبين التراث المحكي والمكتوب.
موسوعة عن الأزهريين من فلسطين
أصدر عونه مؤخرًا موسوعة بعنوان "أزهريون من أرض الإسراء"، جمع فيها سير أكثر من 600 عالم فلسطيني درسوا في الأزهر الشريف منذ القرن السادس عشر حتى نكبة عام 1948. وأوضح في لقاء عبر برنامج خارج الضوء مع وديع عواودة أن هذا المشروع استغرق منه 13 عامًا من البحث المضني في مكتبات ومصادر مختلفة داخل فلسطين وخارجها، إضافة إلى مقابلات شفوية مع عائلات وشهود.
وقال عونه في لقائه مع راديو الناس: "اعتمدت فقط على من تأكدت أنهم درسوا في الأزهر، من خلال وثائق أو مصادر موثوقة، حتى لو اضطررت أحيانًا للذهاب إلى مكتبات صغيرة في قرى مثل كفر كنا ودبورية". وأشار إلى أن الموسوعة ليست مجرد قائمة أسماء، بل تضمنت سيرًا ذاتية مختصرة لكل شخصية، تشمل نسبها ومولدها ومماتها وأعمالها ومساهماتها.
تراث عرب الصبيح وموسوعة الأمثال الشعبية
بعيدًا عن الموسوعة الأزهرية، لا يزال كتابه "عرب الصبيح: تاريخ وراية" مرجعًا هامًا في توثيق تاريخ عشيرته، عرب الصبيح، الذين استقروا تاريخيًا حول جبل الطور. يسرد الكتاب قصصًا وحكايات عن علاقات العشيرة بالمكان والجوار، وعن أحداث النكبة التي أدت إلى تهجير معظم أبناء العشيرة وتحويل اسمها لاحقًا إلى عرب الشبلي.
كما ألف عونه موسوعة فريدة للأمثال الشعبية باللهجة البدوية، جمَع فيها ألف مثل شعبي مع شروحاتها. يقول عنها: "المثل الشعبي لا يولد عبثًا، بل يلخّص قصة أو موقفًا أو حكمة، ويشكل جزءًا من الهوية الثقافية". وضرب أمثلة مثل "يُقال قطع الورائد ولا قطع العوايد" تعبيرًا عن تمسك الناس بالعادات.
خيطٌ واحد بين التعليم، البحث، والزراعة
عمل عونه في التدريس منذ عام 1973 حتى تقاعده عام 2019، وكان نائب مدير مدرسة في قريته. لكنه ظل مرتبطًا بالتعليم، إذ قال: "أنا أحب التدريس... كنت أفرح عندما أؤثر في طلابي". ولا يخفي اعتزازه بطلابه، خاصة أولئك الذين التقاهم بعد سنوات وأصبحوا أطباء ومهندسين.
بعيدًا عن الكتب، يجد في زراعة الأرض راحة وسكينة. "حب الأرض في دمي"، يقول بابتسامة، مضيفًا أن له بضع شجرات زيتون وقليلاً من الماعز، يعتني بها كهواية أكثر منها مصدر رزق.
الصحفي وديع عواودةالصحفي وديع عواودةراديو الناس
خدمة المجتمع وعيادة المرضى
لا يكتفي عونه بالكتابة والتوثيق، بل يمارس دورًا اجتماعيًا تطوعيًا، خاصة في زيارة المرضى والمسنين أسبوعيًا. يعتبر ذلك واجبًا أخلاقيًا ودينيًا، يصفه بأنه "أجر كبير وفرصة لإعادة الروح لمن يشعر بالعزلة".
رغم مرور السنوات، يبقى عيسى عونه مثالًا للإنسان الذي حمل قلمه ومحراثه معًا، سائرًا بين الحقول والكتب، راسمًا صورة مجتمع لم تُكتب كل حكاياته بعد، لكنه يصر على ألا تُنسى.