تسود أجواء من التفاؤل الحذر في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء، مع تصاعد المؤشرات على اقتراب التوصل إلى اتفاق شامل لإنهاء الحرب في غزة، يشمل صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وفقًا لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ذات النقاط العشرين.
ونقلت مصادر اسرائيلية وأجنبية عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله إنّ “إسرائيل تقترب بحذر من استكمال المرحلة الأولى من الاتفاق”، مشيرًا إلى أن الجهود تتركز حاليًا على “تعديل خرائط الانسحاب بما يضمن أمن إسرائيل واستقرار التفاهمات مع الوسطاء”.
اختراق جوهري في المفاوضات
وبحسب صحيفة هآرتس، وللمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، يسود داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إحساس حقيقي بإمكانية تحقيق اختراق جوهري في المفاوضات، مع تقديرات بأن الاتفاق قد يُعلن خلال أيام معدودة. وتشير المصادر إلى أن الإدارة الأميركية تُظهر التزامًا غير مسبوق لإنجاز الصفقة، وأن الرئيس ترامب يتابع التطورات “عن كثب”، بل ويدرس قبول دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحضور مراسم التوقيع على الاتفاق في القاهرة.
في المقابل، تمارس الولايات المتحدة وقطر وتركيا ومصر ضغوطًا مكثفة على حركة حماس لدفعها إلى القبول بالصيغة النهائية للاتفاق، فيما برز الدور التركي بسبب العلاقة الشخصية الوثيقة بين ترامب والرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يسعى لتقديم نفسه كوسيط مؤثر في إنهاء الحرب.
لكن العقبة الأساسية، بحسب المصادر، ما زالت مرتبطة بخريطة الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، إذ تطالب حماس بضمانات مكتوبة لانسحاب كامل، بينما تفضل واشنطن ترتيبات تدريجية، الأمر الذي يجري التفاوض حوله في جولات مكثفة بين واشنطن وتل أبيب.
شرم الشيخ: الساعات الحاسمة
من جانب آخر، أكدت مصادر فلسطينية مطلعة لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) أن الساعات الـ48 المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصير المفاوضات غير المباشرة الجارية في شرم الشيخ بين حماس وإسرائيل، وسط ضغوط أميركية وعربية مكثفة للوصول إلى اتفاق أولي يتضمن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وتشير المعلومات إلى أن واشنطن كثّفت تحركاتها الدبلوماسية خلال اليومين الأخيرين بعد تلقيها “إشارات إيجابية” من القاهرة والدوحة، ما شجّعها على الانخراط بشكل أعمق خلف الكواليس، بعيدًا عن التصريحات العلنية، للحفاظ على التقدّم الهش في المفاوضات.
وشهدت شرم الشيخ وصول شخصيات أميركية بارزة، من بينها جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره السابق، والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، في خطوة وُصفت بأنها مؤشر على دخول المفاوضات مراحلها النهائية.
كما أوضحت المصادر أن الولايات المتحدة مارست ضغوطًا مباشرة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقبول بوقف إطلاق النار، بعد تقييم في البيت الأبيض يفيد بأن استمرار الحرب لم يعد يخدم المصالح الأميركية أو الإسرائيلية.
وتتضمن الضمانات الأميركية المطروحة “آلية إشراف دولية” على تنفيذ وقف النار، وجدولًا زمنيًا محددًا لانسحاب القوات الإسرائيلية، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون قيود، في إطار تفاهمات تشمل إعادة الإعمار وعودة النازحين.
تفاؤل مصري ودور أميركي متصاعد
وبحسب تقارير إعلامية عبرية وأميركية، فقد عُقدت اليوم في شرم الشيخ جلسة تفاوض “حاسمة” بمشاركة كبار المسؤولين، بينهم المستشاران الأميركيان ويتكوف وكوشنر، والوزير الإسرائيلي للشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم كالن.
ورغم بقاء خلافات جوهرية حول خمس قضايا رئيسية – هي وقف إطلاق النار الدائم، وتبادل الأسرى، وخطوط الانسحاب، وآلية إدخال المساعدات، وترتيبات الحكم في غزة بعد الحرب – إلا أن الأجواء وُصفت بأنها “إيجابية وغير مسبوقة”، مع قدر أكبر من المرونة من الطرفين مقارنة بالجولات السابقة.
ونقلت قناة العربي القطرية عن مصادر دبلوماسية أن حماس تطالب بضمانات أميركية مكتوبة لتنفيذ جميع بنود الخطة، إضافة إلى بدء عملية إعادة إعمار غزة فور إعلان الاتفاق دون انتظار استكمال جميع مراحله، وبضمان عدم تهجير السكان.
وفي ختام اليوم، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنه وجّه دعوة رسمية للرئيس ترامب لحضور توقيع “اتفاق غزة” في القاهرة فور التوصل إليه، مشيرًا إلى أن مبعوثي ترامب "جاؤوا بتكليف واضح لإنهاء الحرب ودعم السلام في المنطقة".
واشنطن تضغط وتوازن
وبحسب تقرير لموقع بوليتيكو الأميركي، فإن إدارة ترامب أجرت تحوّلًا استراتيجيًا في مقاربتها للملف الفلسطيني – الإسرائيلي، إذ باتت تعتمد أكثر على الشركاء الإقليميين وتُظهر استعدادًا أكبر للتفاهمات الدبلوماسية الهادئة.
وأفاد التقرير بأن ترامب مارس ضغطًا مباشرًا على نتنياهو لإنهاء الحرب، بالتوازي مع تنسيق وثيق مع دول عربية، خصوصًا قطر، التي ساهمت في تليين مواقف الأطراف عبر وساطاتها المتوازنة. ونقل مصدر دبلوماسي قوله إن “ترامب أجبر نتنياهو على الاتصال بالقيادة القطرية وتقديم اعتذار رسمي عن الهجوم الإسرائيلي في الدوحة الشهر الماضي، ما فتح الباب أمام تسريع المفاوضات”.
واختتم المصدر بالقول إن “إسرائيل لم تكن يومًا بهذه القوة عسكريًا، لكنها لم تكن أيضًا بهذه العزلة دبلوماسيًا”، مؤكدًا أن “التحرك الأميركي الأخير قد يكون الفرصة الأخيرة لإنهاء حربٍ طاحنة مستمرة منذ عامين”.