يشهد موسم الزيتون الحالي تراجعاً حادّاً وغير مسبوق في الإنتاج في مختلف المناطق، رافقه ارتفاع كبير في أسعار الزيت التي تجاوزت حاجز الألف شيكل للتنكة، في ظلّ تأثيرات واضحة لتغير المناخ وغياب الدعم الحكومي الكافي للمزارعين.
سهيل زيدان: التغير المناخي يضرب شجرة "البركة"
سهيل زيدان: التغير المناخي يضرب شجرة "البركة"
المنتصف مع فرات نصار
03:19
قال المهندس الزراعي سهيل زيدان، رئيس مجلس الزيتون في البلاد، في حديثه لراديو الناس، إن شجرة الزيتون، رغم كونها "شجرة مباركة وصامدة منذ آلاف السنين"، تواجه اليوم تحديات حقيقية تهدد إنتاجها واستمراريتها. وأضاف: "هناك تغيّر مناخي من سيئ إلى أسوأ"، قال زيدان، موضحاً أن فصول الشتاء الأخيرة شهدت "نقصاً واضحاً في كميات الأمطار وفي فترات البرودة المطلوبة لتحفيز الإزهار والإثمار".
وأكد زيدان أن هذا الخلل المناخي أثّر مباشرة على دورة حياة الشجرة، إذ "لم تحصل على واجبات البرد في أشهر تشرين الثاني وكانون الأول وكانون الثاني"، وهي ضرورية لتحويل البراعم إلى براعم زهرية.
وأوضح زيدان أن النتيجة كانت انخفاضاً حاداً في الإنتاج هذا العام، خاصة في المناطق الجبلية والبعليّة (غير المروية). وأشار إلى أن "الزيتون معروف بأنه شجرة معاومة، أي أن موسمها الجيد يعقبه عادة موسم ضعيف، لكن هذا العام كانت الضربة أقوى بسبب المناخ".
الريّ كحلّ، ولكن بتكلفة
ووجّه المهندس زيدان نصيحة للمزارعين بالانتقال التدريجي من الزراعة البعلية إلى الزراعة المروية: "عندما نروي الشجرة ونساعدها بالمياه، يمكن أن نرفع الإنتاج من 30% إلى 70% أو حتى 80% من طاقتها، لكن طبعاً هذا مشروط بالإمكانيات المادية".
وأشار إلى أن الريّ الزراعي مكلف جداً، بسبب ارتفاع أسعار المياه الزراعية، إضافة إلى مشكلات انجراف التربة وضعف الدعم الحكومي للمزارعين.
وقال: "اليوم المزارع بحاجة إلى ترميم أرضه والاهتمام بالتربة، لكن لا توجد مساعدات كافية، والمطلوب تشجيع مهني ومادي من خلال الجمعيات الزراعية والمشاريع التعاونية".
وختم زيدان حديثه بالتأكيد على ضرورة دعم المزارعين: "يجب أن تكون هناك خطة وطنية لحماية هذه الشجرة المباركة، فهي ليست مجرد محصول، بل تراث وهوية واقتصاد".
أصحاب المعاصر: موسم نادر وصعب
أصحاب المعاصر: موسم نادر وصعب
المنتصف مع فرات نصار
05:18
من جانبه، قال خضر يونس دراوشة، صاحب معصرة زيتون في بلدة إكسال، إن الأسعار وصلت إلى مستويات "لم يشهدها منذ ثلاثين عاماً". وتابع: "تنكة الزيت قطعت الألف شيكل، وهذا شيء لم أره في حياتي. في المواسم السابقة كنا نبيع بين 500 إلى 700 شيكل، أما الآن فالوضع مختلف تماماً".
وأضاف أن السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار هو شحّ الإنتاج: "المزارع الذي كان ينتج خمسين تنكة صار ينتج ثلاثاً أو أربعاً فقط. الموسم ضعيف جداً في كل البلاد تقريباً، والمناخ أثر بشكل رهيب".
وأوضح أن موجات الحر في شهري نيسان وأيار "أتلفت نحو 70% من زهر الزيتون"، بينما جاءت درجات الحرارة في شهري تموز وآب "مرتفعة جداً، ما زاد الطين بلّة". وأضاف: "قد يكون المزارع شاطراً، لكن أمام الطبيعة والمناخ لا حول له ولا قوة"، قال دراوشة، مضيفاً أن الزراعة البعلية في الوسط العربي هي الأكثر تضرراً.
وأكد أن كلفة الإنتاج ارتفعت بشكل كبير بسبب أجور العمال، ونفقات التشغيل، وقلة الإنتاج، وقال:"الفلاح اليوم يتعب كثيراً ولا يحصل على مردود. التكلفة عالية جداً، ولهذا السبب الأسعار ارتفعت بهذا الشكل". ورغم الأزمة، شدّد دراوشة على أنه يحاول مراعاة ظروف الناس: "أنا أبيع الزيت من زيتوناتي الخاصة، لا أتعامل مع التجار. أبيع للناس مباشرة، وأريد أن أحافظ على زبائني كل سنة".
موسم "الزيت الغالي" بين المناخ والاقتصاد
يتفق الخبراء والمزارعون على أن موسم 2025 هو أحد أضعف المواسم خلال العقود الأخيرة، إذ تراوحت نسبة الإنتاج بين 25% و35% فقط من المعدل السنوي المعتاد. وفي ظل هذا التراجع الكبير، يتوقع أن تظل أسعار الزيت مرتفعة حتى الموسم المقبل، خاصة إذا استمر الجفاف والتقلب المناخي.
ويرى مراقبون أن غياب الدعم المؤسسي للقطاع الزراعي في البلاد يفاقم الأزمة، وأن على السلطات المحلية والحكومة وضع برامج عاجلة لدعم المزارعين الصغار، لتفادي فقدان أحد أهم رموز التراث الزراعي الفلسطيني والعربي.


