"واشنطن بوست" تكشف عن تفاصيل جديدة من قتل المسعفين في رفح

تحقيق صحفي يكشف عن تفاصيل جديدة من قتل المسعفين من جمعية الهلال الأحمر في مدينة رفح ودفنهم في مقبرة جماعية

راديو الناس|
نشرت صحيفة "واشنطن بوست"، تفاصل جديدة عن قتل المسعفين من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة الشهر الماضي.
وقالت الصحيفة أنها أجرت تحقيقات صحفية بمشاركة كادر صحفييها الذين كشفوا بدورهم بعد تحليل سجلات المراسلات وشهادات الشهود ولقطات الفيديو وصور الأقمار الصناعية وصور القتلى، بأن كل تفاصيل الحدث جاءت يشكل تناقض مع الادعاءات الإسرائيلية الرسمية.
وأظهرت مقاطع فيديو أن عناصر للجيش الإسرائيلي قاموا بدفن القتلى من المسعفين إلى جانب حطام سيارات الإسعاف الخاصة بهم، خارج مدينة رفح جنوب غزة، حيث تميز مقرهم الأخير بأحد أضواء الطوارئ الحمراء الخاصة بهم.
وأشارت الصحيفة أن سيارات إسعاف أخرى تعرضت لاحقًا لإطلاق النار، وكانت تحمل علامات واضحة على أنها تابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني الفلسطيني، وكان المسعفون الذين غادروا مركباتهم يرتدون غالبًا ملابس فسفورية تميزهم كعمال طوارئ، كما أظهرت لقطات الفيديو.
وتشير الصحيفة إلى تسلسل اكتشاف المجزرة، ففي مساء يوم 22 آذار/مارس، قال سكان حي تل السلطان والمخيم السعودي في رفح إنهم تعرضوا لقصف إسرائيلي كثيف. وقبل أيام قليلة، كانت إسرائيل قد انتهكت اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس، وسرعان ما أعادت نشر الكثير من القوات البرية إلى القطاع.
الناجي الوحيد: احتجزوني بحفرة على جانب الطريق
انطلقت أول سيارة إسعاف من مواقف جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في خربة العدس، شرقي رفح، حوالي الساعة 3:50 صباح يوم 23 آذار، استجابةً لقصف منزل في تل السلطان، حسب نبال فرسخ، المتحدثة باسم الجمعية. وانتشل الطاقم ثلاث جثث من الموقع ونقلها إلى مستشفى ناصر، قبل أن يعود إلى القاعدة حوالي الساعة 4:35 صباحًا.
وروى عابد، الناجي الوحيد من سيارة الإسعاف الثانية، في مقابلة هاتفية أن سيارته تعرضت لإطلاق نار في طريقها إلى تل السلطان، مما أدى إلى توقفها. وساد الصمت في المقدمة، حيث قال إنه لم يكن يعلم ما إذا كان الراكبان في الأمام أحياء أم قتلى. وأضاف عابد، الذي يعمل في الهلال الأحمر منذ عام 2015، أنه نجا بسبب تمدده على أرضية سيارة الإسعاف، حتى فتح جنود إسرائيليون يحملون أسلحة ويرتدون نظارات ليلية باب السيارة. وقال: "جرّوني من السيارة على الرمال"، ثم احتُجز في حفرة على جانب الطريق بعيدًا عن سيارات الإسعاف التي اخترقها الرصاص.
حفرة بداخلها علامات تؤكد أنها مقبرة جماعية
تُظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة الساعة 10:48 صباحًا من ذلك اليوم حفرة عميقة على الجانب الغربي من الطريق، بداخلها علامات داكنة مشوهة. وقد أكد عابد أن هذا هو مكان احتجازه، وفقًا لما أظهرته الصحيفة له. وقال خبراء الصور الفضائية إن العلامات تشير إلى احتمال وجود أشخاص.
قال عابد إنه جُرّد من ملابسه وتعرض للضرب، وكانت يداه مقيدتين. سأله الجنود عن عائلته وما إذا كان شارك في هجمات 7 تشرين الأول 2023. وأشار إلى أنه في لحظة ما، ضغط أحد الجنود بخنجر على جلد يده.
وقالت فرسخ إن سيارة الإسعاف الأولى عادت بسلام إلى مركزها، ثم انطلقت مجددًا حوالي الساعة 4:50 صباحًا مع طاقمها صلاح معمر، رائد الشريف، وأشرف أبو لبدة لتحديد موقع زملائهم المفقودين. وبعد ثلاث دقائق فقط، اتصل الطاقم ليبلغ عن عثوره على الضحايا، وفقًا لفرسخ. وبسبب الحاجة إلى الدعم، أُرسلت سيارتا إسعاف أخريان تابعتان للهلال الأحمر الفلسطيني للانضمام إليهم.
"نحن مكشوفون للإسرائيليين"
سجّل رفعت رضوان، مسعف في إحدى هاتين السيارتين، فيديو مدته 19 دقيقة عبر هاتفه المحمول، وثّق فيه المحادثات أثناء محاولتهم الاتصال بالطاقم المفقود. وسمع يقول من خلف الكاميرا: "نتصل بهواتفهم، ولا أحد يجيب". وأجاب زميله أسعد النصاصرة: "مستحيل، عز الدين عادة يجيب على الهاتف". فرد رضوان: "كذلك مصطفى ومنذر".
قال مسؤولو الإغاثة إن طواقم الإسعاف، ووفقًا للإجراءات المتبعة في غزة، لم تكن بحاجة لتنسيق مسبق في تلك المنطقة، لأنها لم تكن مصنفة كمنطقة قتال حينها. وأفادت كل من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني والجيش الإسرائيلي أن آخر مركبات الطوارئ وصلت إلى الموقع بحلول الساعة السادسة صباحًا، ولم يُصدر الجيش أمرًا بإخلاء المنطقة حتى الساعة 8:31 صباحًا.
يُظهر الفيديو الذي صوّره رضوان أنه بعد أن أخطأ في البداية موقع سيارة الإسعاف العالقة، عادت سيارته برفقة سيارتي الإسعاف الأخريين وعدة مركبات من الدفاع المدني لمواصلة مهمة الإنقاذ. وسمع صوت معمر يقول: "نحن مكشوفون للإسرائيليين هنا. هيا نتحرك في قافلة".
تُظهر اللقطات أن السيارات كانت تحمل علامات واضحة وأن أضواءها الحمراء كانت تعمل. كانت صحيفة نيويورك تايمز أول من أشار إلى وجود الفيديو والأضواء المتوهجة.
"100 رصاصة على مدار 5 دقائق"
عند اقتراب فرق الإنقاذ من سيارة الإسعاف العالقة، صرخ رضوان: "إنهم ملقون هناك". شوهد رجال يرتدون سترات عاكسة يركضون نحو السيارة. ثم بدأ إطلاق النار، وخرج رضوان من السيارة. سجّل الفيديو صرخاته، ثم خفّ صوته قائلًا: "سامحيني يما... سامحيني. هذا هو الطريق الذي اخترته، لمساعدة الناس". ثم استؤنف إطلاق النار، وسُمعت صيحات باللغة العبرية. وقال خبراء الأدلة الجنائية إن القوات كانت على بُعد نحو 100 قدم من الهاتف المحمول وقت إطلاق النار.
قبل انتهاء التسجيل، سُمع رضوان يقول بذعر: "الجنود قادمون"، ثم انقطع الاتصال. وعُثر لاحقًا على جثته في المقبرة الجماعية.
بحسب خبيرين في الأدلة الجنائية الصوتية راجعا التسجيل، فقد سُمع أكثر من 100 طلقة من أسلحة مختلفة على مدى أكثر من خمس دقائق. قال روب ماهر إن إطلاق النار بدأ من مسافة نحو 150 قدمًا، ثم اقترب حتى 40 قدمًا. وأكد ستيفن بيك أن اثنين على الأقل من مطلقي النار كانا على بعد 130 قدمًا في البداية، ثم اقتربا تدريجيًا.
تُظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة الساعة 10:48 صباحًا وجود 20 مركبة عسكرية مدرعة ضمن دائرة نصف ميل، بينها دبابة ميركافا، ناقلات جنود، جرافة كاتربيلر، ومركبات هندسية مجنزرة أخرى تابعة للجيش الإسرائيلي.
قال عابد إنه سمع صوت سيارات الإنقاذ تقترب، ثم إطلاق النار. وفي وقت لاحق، نُقل النصاصرة إلى نفس الحفرة، وأخبره أن رضوان مات، وكذلك أبو لبدة، ومحمد الحيلة، ومحمد بهلول. أما معمر ورائد الشريف فكانا على قيد الحياة رغم إصابتهما.
"جاؤوا لإنقاذ الأرواح وانتهوا بمقبرة جماعية"
عُثر لاحقًا على جثتي معمر والشريف في المقبرة الجماعية. وأُطلق سراح عابد بعد ساعات من احتجازه، بينما لا يزال مصير النصاصرة مجهولًا.
وثّق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة عمليات استخراج الجثث في 30 آذار، بحيث كانت الجثث متحللة جزئيًا ومغطاة بالرمال، وعُثر على أحد موظفي الأمم المتحدة ضمن القتلى، دون وضوح في ملابسات وفاته.
وقال جوناثان ويتال، الممثل الرئيسي لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة، عبر مقطع فيديو: "ننبش قبورهم وهم يرتدون زيهم الطبي وقفازاتهم. لقد كانوا هنا لإنقاذ الأرواح، لكنهم انتهوا في مقبرة جماعية".