ترك مضاعفات خطيرة: وثائقي نتفليكس يكشف الوجه الخفي لبرنامج الخاسر الأكبر

"The Biggest Loser" إلى الواجهة من خلال وثائقي جديد على نتفليكس ليكشف عن المخاطر الصحية التي شكلها على المشاركين

1 عرض المعرض
برنامج الخاسر الأكبر
برنامج الخاسر الأكبر
"The Biggest Loser"
(وفق البند 27 أ لقانون حقوق النشر 2007)
بعد أكثر من عقد على عرضه، يعود برنامج "The Biggest Loser" إلى الواجهة من خلال وثائقي جديد على نتفليكس بعنوان " Fit for TV: The Reality of The Biggest Loser"، ليسلّط الضوء على الأضرار الجسدية والنفسية التي لحقت بالمشاركين، وما خلّفه ذلك من أثر على الثقافة الشعبية في الولايات المتّحدة وفي العالم عمومًا.
البرنامج، الذي انطلق عام 2004 واستمرّ سبعة عشر موسمًا، جذب ملايين المشاهدين حول العالم (نحو 11 مليون مشاهدة للحلقة الواحدة)، وتبنّته دول عديدة بينها أستراليا وهولندا والفلبّين وجنوب أفريقيا. فكرته كانت بسيطة: متسابقون يعانون من السمنة يتنافسون على خسارة أكبر نسبة من وزنهم خلال 30 أسبوعًا، بمساعدة مدرّبين وأطبّاء، فيما يحصد الفائز جائزة ماليّة بربع مليون دولار.
ويكشف الوثائقي انّ هذا التجسيد للمعجزة كان قائمًا على حميات صارمة وتمارين جسديّة بالغة الشدّة، وأنّ الأساليب المستخدمة كانت بعيدة عن معايير الصّحة وشكّلت مخاطر مباشرة على حياة المشاركين. بحسب شهادات، وُضع المتسابقون تحت أنظمة غذائية بالغة القسوة وصلت أحيانًا إلى 800 سعرة حرارية يوميًا فقط، مقابل تدريبات جسدية استمرّت ما بين خمس وثماني ساعات يوميًا. مشاهد الانهيار، التقيّؤ وحتى اللجوء إلى حبوب الكافيين لكبح الشهية، لم تكن استثناءً.

"معركة بيولوجيّة خاسرة"

الأطباء المشاركون وخبراء علم النفس الذين استُضيفوا في الوثائقي، أكدوا أنّ مثل هذه الأساليب تؤدي إلى مضاعفات خطيرة، كخسارة عضلية، مشكلات في المرارة، اختلالات غذائية، بالإضافة إلى أضرار بالقلب والجهاز الهضمي.
أبرز ما يكشفه الوثائقي أنّ معظم المتسابقين لم يتمكّنوا من الحفاظ على الوزن الذي خسروه. دراسة علمية عام 2016 تابعت 14 مشاركًا سابقًا، ووجدت أنّ 13 منهم استعادوا جزءًا كبيرًا أو كامل الوزن، مع تباطؤ واضح في معدلات الأيض لديهم، ما جعل أجسامهم تحرق سعرات أقل وتزيد من إشارات الجوع، وهو ما وصفه الأطباء بـ"المعركة البيولوجية الخاسرة".
إلى جانب الأضرار الصحية، ركّز الوثائقي على البعد النفسي والثقافي للبرنامج. "The Biggest Loser" قدّم صورة مُهينة عن الأجساد، وجعل من السمنة مادة للسخرية والاستهزاء أمام ملايين المشاهدين. الكاميرات تعمّدت إظهار المتسابقين في مواقف مُذلّة، مثل تصوير اهتزاز الأرض عند سقوط أحدهم لإيحاء بحدوث زلزال، أو فرض تحديات تحمل فيها الأرغفة بالفم. النقاد وصفوا هذه المشاهد بأنها ساهمت في تكريس الوصم والتمييز، ورسّخت فكرة أنّ الجسد الكبير هو انعكاس لكسل أو ضعف إرادة، متجاهلة دور العوامل الجينية والبيئية والنفسية.
رغم شهادات بعض المشاركين الذين اعتبروا أنّ التجربة منحتهم شعورًا بالقوة أو الإنجاز، إلّا أنّ الأغلبية روت قصصًا عن اضطرابات في الأكل، فقدان الثقة بالنفس، وانتكاسات صحية بعد انتهاء البرنامج. المتسابق داني كاهيل، الفائز بالموسم الثامن، قال إنه فقد أكثر من 100 كيلوغرام خلال سبعة أشهر بفضل الحمية القاسية، لكنه استعاد معظم وزنه بعد سنوات قليلة، واصفًا التجربة بأنها "أعادتني إلى نقطة الصفر وأدخلتني في حالة يأس". أما الفائز بالموسم الأول رايان بنسون، فكشف أنّه وصل لمرحلة ظهور دم في بوله نتيجة التمارين المفرطة والحرمان الغذائي.
الوثائقي يسلّط الضوء أيضًا على غياب الرعاية اللاحقة، حيث أقرّ المنتجون أنّ البرنامج لم يوفّر أي متابعة أو دعم نفسي أو جسدي بعد انتهاء التصوير، تاركًا المتسابقين لمصيرهم بعد تجارب جسدية ونفسية بالغة القسوة.
أطباء وخبراء تغذية تحدّثوا للوثائقي مؤكدين أنّ فقدان الوزن السريع والمفرط ليس حلاً صحيًا، وأنّ معدلات خسارة من نصف كيلو إلى كيلو أسبوعيًا أكثر واقعية واستدامة. كما شددوا على أنّ التغيير الحقيقي يأتي من بناء علاقة متوازنة مع الطعام والنشاط البدني، بعيدًا عن العقوبات القاسية أو "عقلية كل شيء أو لا شيء".
من جهته، اعتبر المخرج سكاي بورغمان أنّ البرنامج قدّم الترفيه على حساب الصحة، قائلاً: "لم يكن ممكنًا أن يجتمع الترفيه والصحة في عمل واحد، والأرجحية دائمًا ستكون للفرجة". بينما أشار خبراء إلى أنّ تأثير البرنامج امتد إلى الجمهور نفسه، إذ رسّخ مفاهيم سلبية عن الأجسام وأطّرح الناس لتبنّي أنظمة غذائية غير صحية.
Fit for TV: The Reality of The Biggest Loser لا يعيد فقط فتح ملف برنامج حقّق شهرة عالمية، بل يطرح أسئلة أبعد حول دور التلفزيون في صياغة ثقافة الجسد. وفيما تغيّرت بعض الخطابات المعاصرة نحو مزيد من تقبّل التنوع الجسدي، يذكّر الوثائقي بأنّ إرث برامج مثل "The Biggest Loser" ما زال حاضرًا، وأنّ الترفيه حين يُبنى على إذلال الناس يترك آثارًا عميقة تتجاوز شاشة التلفزيون.