في تركيا، يبدو أن الهزّات الأرضية ليست مجرّد ظاهرة طبيعية، بل سيناريو متكرّر. الزلزال الأخير الذي ضرب اسطنبول في 23 نيسان الحالي، بقوة 6.2 درجات، يعيد ذات السؤال إلى الواجهة: لماذا لا تهدأ الأرض في تركيا؟
القصة من البداية
تحدث الزلازل نتيجة تحرّك كتل صخريّة موجودة تحت قشرة الأرض، والتي تُعرف علميًا بـ "الصفائح التكتونية". هذه الصفائح تشبه قطع البازل العملاقة، تغطّي سطح الأرض وتتحرّك ببطءٍ شديد، وحين تصطدم أو تحتكّ ببعضها، يتراكم ضغطٌ هائل.
هذا الضغط المتراكم يسبّب تصدّعات في القشرة الأرضيّة، وهي ما تُعرف بالـ "فوالق". والفالق، ببساطة، هو شقٌّ عميق في القشرة الأرضية، يحدث نتيجة حركة الصفائح – وكأنّه جرحٌ نشِط في قلب الأرض تتراكم عنده الضغوط؛ وحين تعجز الصخور عن تحمّلها، تنفجر هذه الطاقة بشكلٍ مفاجئ في هيئة زلزال.
أمّا تركيا، فتقع جغرافيًا في نقطة التقاء ثلاث صفائح تكتونية ضخمة: الصفيحة الأوراسية من الشمال، الصفيحة العربية من الجنوب الشرقي والصفيحة الأفريقية من الجنوب الغربي. هذا التزاحم بين الصفائح الثلاث يدفع الصفيحة الأناضولية – أي الأرض التركية – باتّجاه الغرب، ما يخلق احتكاكات مستمرّة في عمق الأرض.
مع الوقت، خلقت هذه الحركة فالقًا جيولوجيًا ضخمًا يُعرف بـ "فالق شمال الأناضول"، وهو أحد أكثر المناطق حساسية في تركيا، ويمتدّ على مسافة تقارب 1500 كيلومتر، من شرق تركيا حتى بحر مرمرة غربًا، مرورًا بمحيط مدينة إسطنبول.
من هنا، فإنّ ما يعرّض إسطنبول بشكلٍ دائم للزلازل هو موقعها القريب جدًا (نحو 20 كيلومترًا) من هذا الفالق النشط؛ والذي تسبّب فعليًا بسلسلة من الزلازل المدمّرة عبر العقود، أبرزها زلزال إزميت عام 1999 الذي أودى بحياة أكثر من 17 ألف شخص.
ما الذي يجعل الزلازل في المنطقة شديدة الخطورة وذات تداعيات كارثية؟
فالق شمال الأناضول يشبه جيولوجيًا فالق "سان أندرياس" الشهير في كاليفورنيا في الولايات المتّحدة، وكلاهما يُصنّف كـ "فالق انزلاق جانبي"، أي أنّ الصفائح لا تتحرّك فيه للأعلى أو للأسفل، بل تنزلق أفقيًا بمحاذاة بعضها البعض. هذه الحركة الأفقية خطيرة جدًا، لأن الانزلاق قد يحدث بشكلٍ مفاجئ ويمتدّ لمسافات كبيرة، أي انّه يطلق طاقة هائلة في وقتٍ قصير، ما يؤدّي إلى زلازل عنيفة ومدمّرة.
إضافةً إلى ذلك، فإنّ إسطنبول إلى جانب كونِها مكتظّة سكانيًا، تعاني من بنية تحتيّة وتاريخ عمراني يعقّدان الاستعداد الشامل لمثل هذه الكوارث. من هنا، ولأنّ الزلازل في إسطنبول حقيقة طبيعيّة ومستمرّة – فإنّ الاستعداد لها ليس رفاهيّة، بل ضرورة: بناء بنى تحتية مقاومة وتجهيزها بخطط طوارئ وإنقاذ، رفع الوعي المجتمعي حول كيفيّة التصرف خلال الهزّات الأرضية واعتماد أنظمة إنذار مبكر.