رغم الخسائر الاقتصادية والمالية والاجتماعية الكبيرة التي مُنيت بها إسرائيل خلال الحرب الأخيرة، يرى مراقبون أنّها في المقابل خرجت بمكاسب بعيدة المدى على صعيد الابتكار العسكري والتكنولوجي، مع نشوء جيل جديد من الشركات الناشئة التي وُلدت من رحم الميدان.
خسائر غير مسبوقة في الاقتصاد والميزانية
تُقدّر كلفة الحرب منذ 7 أكتوبر بنحو 178 مليار شيكل، وفق بيانات وزارة المالية وتقارير اقتصادية إسرائيلية. وتشير التقديرات إلى أنّ يوم قتال واحد في ذروة العمليات كلّف ما بين 450 و600 مليون شيكل، بينما تجاوزت نفقات خدمة الاحتياط 60 مليار شيكل حتى الآن.
وبحسب المعطيات، بلغ متوسط كلفة جندي الاحتياط شهريًا نحو 29 ألف شيكل، ما جعل هذا البند الأكثر استنزافًا في الموازنة. في المقابل، انكمش الاقتصاد الإسرائيلي في الربع الثاني من عام 2025 بنسبة 3.5%، وتراجعت الاستثمارات الثابتة بـ 12.3%، في حين وصل العجز التجاري إلى 91 مليار شيكل بين يناير وأغسطس من العام نفسه.
تعديلات مالية وتوسيع العجز
ردًا على الضغط المتزايد في الإنفاق، صادقت الكنيست على رفع سقف العجز إلى 5.2% من الناتج المحلي، بعد أن كان محددًا بـ 4.9%، إلى جانب زيادة الإنفاق الحكومي بـ 30.8 مليار شيكل لتغطية الاحتياجات الأمنية والمدنية الناتجة عن الحرب.
ورغم استمرار التصنيف الائتماني المنخفض لإسرائيل عند درجة BAA1 مع نظرة سلبية، تراجعت مقايضات التخلف عن السداد (CDS) إلى نحو 70 نقطة بعد إعلان وقف إطلاق النار، في إشارة إلى تحسن نسبي في ثقة الأسواق.
من الخسائر إلى الابتكار
في الجانب المقابل، دفعت ظروف الحرب إلى تسريع مسارٍ غير مسبوق في مجالات التكنولوجيا الأمنية و”الديفنس-تك“. فبين أكتوبر 2023 وسبتمبر 2024، أبرمت وزارة الأمن الإسرائيلية اتفاقات تعاون مع 86 شركة ناشئة بقيمة إجمالية بلغت 601 مليون شيكل، إلى جانب أكثر من 200 شركة أخرى تتعاون بشكل مباشر مع الوزارة.
وتشير تقارير إلى أنّ شركات عالمية وصناديق استثمار كبرى، مثل Nvidia وPalantir وSequoia وAWZ، أبدت اهتمامًا متزايدًا بالسوق الإسرائيلية بعد الحرب، في ظلّ ازدهار ما يُعرف بـ”الاقتصاد الأمني“ الذي يجمع بين الابتكار التكنولوجي والاحتياجات العسكرية.
جيل جديد من رواد التكنولوجيا
شارك في الحرب عشرات آلاف جنود الاحتياط من خلفيات هندسية وتقنية، بعضهم من مؤسسي شركات في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة والروبوتات. ومع انتهاء الخدمة، بدأ كثير منهم بتحويل خبراتهم الميدانية إلى مشاريع ناشئة تعالج مشكلات واجهوها في أرض القتال، مثل إدارة الإمدادات، كشف الطائرات المسيّرة، والتشخيص الميداني الطبي عبر أجهزة ذكية.
ويقول خبراء في القطاع إنّ هذه الموجة تشكّل “بيئة ريادية جديدة” تربط بين الابتكار المدني والعسكري، وتحوّل إسرائيل إلى مركز متقدّم في مجالات الدفاع السيبراني والتحليل الآلي للبيانات الميدانية.
تحوّل في مفهوم الأمن
امتدّ التطور أيضًا إلى مجالات “تكنولوجيا الثقة” (TrustTech)، وهي تقنيات تُعنى بمكافحة التضليل الرقمي ورصد الحملات المنسّقة على الإنترنت. ووفق باحثين إسرائيليين، بدأ الجيش ومؤسسات حكومية بدمج أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل السرديات والتأثير الإعلامي، ما يعكس تحوّلًا في مقاربة الأمن القومي ليشمل الفضاء الرقمي والمعلوماتي.
مكاسب طويلة المدى ومخاطر مرافقة
يرى محللون أنّ الحرب الأخيرة كرّست معادلة مزدوجة: خسائر فورية هائلة في المال والاقتصاد، مقابل مكاسب استراتيجية بعيدة المدى في مجالات الابتكار الدفاعي والتكنولوجي.
First published: 12:35, 14.10.25




