بعد عقد من الهروب | اعتقال مسؤول مخابرات سوري في النمسا ومحاكمته بجرائم تعذيب وإبادة

تقول النيابة إن الحلبي، الذي ترأس فرع الأمن 335 في مدينة الرقة، قاد عمليات اعتقال وتعذيب ممنهجة بحق ناشطي الاحتجاجات. وبعد فراره عام 2013، تنقّل بين تركيا والأردن إلى أن وصل إلى فرنسا، حيث بدأ اهتمام أوروبي متزايد بدوره في جرائم الحرب. 

راديو الناس|
1 عرض المعرض
خالد الحلبي
خالد الحلبي
خالد الحلبي
(وفق البند 27 أ لقانون حقوق النشر 2007)
أعلنت السلطات النمساوية، أمس الأربعاء، تقديم لائحة اتهام رسمية ضدّ الجنرال السوري السابق خالد الحلبي، أحد أبرز ضباط مخابرات نظام بشار الأسد، بتهم ارتكاب جرائم حرب وتعذيب خلال قمع احتجاجات "الربيع العربي" عام 2011. الحلبي، البالغ من العمر 62 عامًا وينتمي للطائفة الدرزية، كان قد هرب من سوريا في عام 2013، قبل أن يختفي في ظروف غامضة من باريس عام 2015، ويُعتقل أخيرًا في النمسا نهاية العام الماضي بعد مطاردة استمرت أكثر من عقد. ووفقًا لتحقيق واسع نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، تؤكد النيابة النمساوية أنّ الحلبي كان "عميلًا مزدوجًا للموساد" خلال خدمته في استخبارات النظام السوري، وأنّه تمكّن من الاختباء في فيينا لسنوات طويلة بفضل دعم لوجستي ومالي قدّمه جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، بالتعاون مع جهاز الأمن الداخلي النمساوي BVT، الذي تم حلّه لاحقًا بسبب إخفاقات استخباراتية.
رحلة الهروب: من مواقع التعذيب في الرقة إلى شقة سرية في فيينا تقول النيابة إن الحلبي، الذي ترأس فرع الأمن 335 في مدينة الرقة، قاد عمليات اعتقال وتعذيب ممنهجة بحق ناشطي الاحتجاجات. وبعد فراره عام 2013، تنقّل بين تركيا والأردن إلى أن وصل إلى فرنسا، حيث بدأ اهتمام أوروبي متزايد بدوره في جرائم الحرب. لكن في عام 2015، اختفى الحلبي من باريس في عملية "تهريب استخباراتي" شارك فيها عناصر من الموساد، قادوه بالسيارة إلى الحدود النمساوية وسلموه هناك لضباط BVT. وتم ترتيب شقة سرية في فيينا دفع إيجارها الموساد، إضافة إلى منحه وضع "طالب لجوء" بمساعدة موظفي هجرة نمساويين.
معلومات استخباراتية واتفاقات سرية بحسب التقرير، جاء الاتفاق حول "نقل" الحلبي إلى النمسا بعد زيارة مسؤول رفيع في جهاز BVT إلى إسرائيل عام 2015، حيث أُبرم تفاهم غير معلن بين الجانبين سمح بدخول الحلبي البلاد دون رقابة قانونية. هذه التفاصيل أدت لاحقًا إلى محاكمة خمسة مسؤولين نمساويين—منهم أربعة ضباط استخبارات—بشبهات مساعدة الحلبي على الفرار. أربعة منهم تمت تبرئتهم، بينما غاب الخامس عن المحكمة لأسباب صحية.
العثور على الحلبي عبر صورة على جسر قادت مجموعة من المنظمات الحقوقية الدولية، بينها Open Society وCommission for International Justice and Accountability، عمليات البحث عن ضباط نظام الأسد المختبئين في أوروبا. وتم اكتشاف وجود الحلبي في فيينا بعد ظهوره صدفة في صورة على جسر في بودابست نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.
شهادات مروّعة من ضحايا التعذيب تؤكد النيابة أنها حددت 21 ضحية على الأقل ارتبطت اعتداءاتهم بفترة قيادة الحلبي في الرقة. وتشمل الشهادات روايات عن صدمات كهربائية، ضرب مبرح، وتعذيب داخل مكاتب الإدارة الأمنية التي ترأسها. أحد هؤلاء، الطبيب عبادة الحمادة، وصف لصحيفة "نيويورك تايمز" ليلة كاملة أمضاها تحت التعذيب في مكتب الحلبي نفسه، قائلاً:"لم أرَ الحلبي مباشرة، لكن اسمه كان على اللوحة فوق المكتب. كانوا يعذبوننا في عقر داره".
أوّل محاكمة من نوعها في النمسا الحلبي هو أول مسؤول سوري سابق يُحاكم في النمسا بتهم جرائم حرب، لينضم إلى سلسلة محاكمات مشابهة في ألمانيا والسويد ضد ضباط رفيعي المستوى من نظام الأسد. القضية تُعد واحدة من أكثر الملفات حساسية على مستوى التعاون الاستخباراتي بين الدول الأوروبية وإسرائيل، وتثير تساؤلات حادة حول دور أجهزة الأمن الغربية في حماية مسؤولين متورطين في انتهاكات جسيمة.