لا يمر يوم في المجتمع العربي داخل إسرائيل دون خبر عن جريمة قتل جديدة.رصاص يتناثر في الشوارع، دماء تُراق في المدارس، وحالة خوف تتجذر في النفوس.
جريمتا كفر ياسيف والنقب، اللتان أسفرتا عن مقتل نضال مساعدة، حارس مدرسة، والطبيب زياد أبو عابد، ليستا سوى حلقتين جديدتين في سلسلة لا تنتهي من العنف المنفلت.
شهادة مروعة من والد أحد الطلاب في كفرياسيف
هذا النهار مع محمد مجادلة
08:21
مشهد من الرعب: الرصاص يخترق حارس المدرسة في كفر ياسيف
كانت الساعة تقارب الثامنة صباحًا حين دوّت أصوات الرصاص في بلدة كفر ياسيف.طلاب المدرسة في طريقهم إلى صفوفهم، والمعلمون يتهيأون لبداية اليوم، لكن المشهد انقلب إلى فوضى بعد أن أصيب نضال مساعدة، الحارس المعروف بابتسامته اليومية، بطلقات قاتلة في ساحة المدرسة.
يقول والد أحد الطلاب، الذي عاش المأساة لحظة بلحظة:"سمعنا صوت إطلاق نار كثيف في ضواحي المدرسة. ركضت فورًا إلى المكان. كان إحساس العجز هو الأصعب، لأن ابني داخل المدرسة وأنا عاجز عن الوصول إليه. كنا نعتقد أن المدرسة هي المكان الآمن الوحيد بعد البيت، لكن اتضح العكس."
ورغم انتشار قوات الشرطة في المنطقة، فإن الأهالي يؤكدون أن الاستجابة كانت بطيئة وضعيفة."لو أن الشرطة تعاملت بجدية مع مثل هذه الحالات، لما وصل المجرمون إلى داخل ساحة المدرسة"، يضيف الأب بمرارة.
البلدة كلها أعلنت إضرابًا شاملًا في اليوم التالي، احتجاجًا على الجريمة وتضامنًا مع عائلة الضحية، وسط مخاوف من أن تتحول المدارس نفسها إلى ساحات تهديد.
د. نعيم أبو فريحة: لم يمض على تخرج نضال 3 سنوات وقُتل بدم بارد
هذا النهار مع محمد مجادلة
05:56
من الحارس إلى الطبيب: الرصاص لا يميّز بين المهنة والمكان
في مساء اليوم نفسه، خيّم الحزن مجددًا، وهذه المرة في مدينة رهط بالنقب، بعد وفاة الطبيب زياد أبو عابد متأثرًا بجراحه التي أصيب بها قبل عشرة أيام في حادث إطلاق نار.
الطبيب الشاب، الذي لم يمضِ على تخرجه سوى ثلاث سنوات، كان يعمل في مستشفى "سوروكا"، ويُعرف بين زملائه بدماثته وإنسانيته.
يقول الدكتور نعيم أبو فريحة، رئيس رابطة الأطباء العرب في النقب:"نحن نعيش حالة حرب أهلية حقيقية داخل المجتمع العربي. لا يمر يوم دون إطلاق نار أو جريمة قتل. الأمان بات رفاهية مفقودة، لا نساء ولا أطفال ولا أطباء في مأمن بعد اليوم."
ويضيف بأسى:"الطبيب زياد كان قدوة، إنسانًا متواضعًا ومحبًا للناس. رحل فقط لأنه وُجد في المكان الخطأ. هذه المأساة تكشف أن العنف تجاوز كل الخطوط الحمراء."
ردود الفعل: غضب شعبي وصمت رسمي
أعادت الجريمتان النقاش إلى قضية الإهمال الحكومي المتراكم في معالجة العنف داخل المجتمع العربي.
سياسيون وناشطون وجمعيات مدنية أعربوا عن استيائهم من غياب خطة شاملة، معتبرين أن السلطات تتعامل مع الدم العربي بلامبالاة.
وقال يوآف سيغالوفيتش، نائب وزير الأمن الداخلي السابق وعضو الكنيست عن حزب يش عتيد:"ما يحدث في المجتمع العربي لم يعد قضية هامشية، بل كارثة وطنية. المشكلة ليست فقط في الشرطة، بل في غياب الرؤية السياسية. الحكومة الحالية لا تضع حياة المواطن العربي ضمن أولوياتها."
وأضاف:"لو كان القتيل يهوديًا في بلدة أخرى، لكانت الحكومة عقدت اجتماعًا طارئًا في اليوم نفسه. لكن حين يتعلق الأمر بالعرب، تمر الحوادث كأنها خبر عابر."
سيغالوفيتش: فقدات الأمن في الدولة
هذا النهار مع محمد مجادلة
09:06
وأشار إلى أن عدد القتلى في المجتمع العربي هذا العام مرشح لتجاوز كل الأرقام السابقة، بعد أن سجل العام الماضي أكثر من 200 جريمة قتل.
"هذا الرقم لا يمثل فقط قتلى، بل عائلات مدمّرة، أطفالًا يتامى، ونساءً يعشن الصدمة مدى الحياة."
انهيار الثقة بالشرطة: فقدان الأمل في الدولة
في كفر ياسيف، كما في رهط، يعبّر المواطنون عن شعور متزايد بالعزلة وانعدام الثقة في أجهزة الدولة.
الأهالي يقولون إن الشرطة لا تحضر إلا بعد فوات الأوان، وإن النيابة لا تحاسب، وإن المجرمين يعرفون أنهم بمنأى عن العقاب.
"صرنا نخاف أن نرسل أبناءنا إلى المدرسة. ماذا بقي آمنًا إذا لم تكن المدرسة كذلك؟"، تساءل أحد الأهالي.
"الشرطة لا تردع أحدًا. الدولة تركتنا لمصيرنا"
وفي المقابل، يرى خبراء في علم الاجتماع أن تفشي السلاح، وغياب الإنفاذ، وازدياد الفقر، وغياب الأمل بين الشباب، عوامل تغذي هذه الدوامة اليومية من الدم.
وجوه الضحايا: بين نضال الطبيب ونضال الحارس
نضال مساعدة، في الأربعين من عمره، أب لأطفال، كان يعمل حارسًا لمدرسة ابتدائية، ويُعرف بابتسامته الدائمة.
زياد أبو عابد، في أواخر العشرينات، طبيب شاب حلم بخدمة مجتمعه وساعد مرضاه بتواضع وإنسانية.
كلاهما قُتلا بلا سبب.كلاهما ضحيتان لواقع اختلّ ميزانه حتى فقد الإنسان فيه قيمته.
نداء مفتوح: هل من ضوء في نهاية النفق؟
من ساحة المدرسة في كفر ياسيف إلى المستشفى في رهط، تتقاطع الدموع والدماء والذهول.رسالة واحدة تتردد على ألسنة الجميع: "كفى للقتل... كفى للصمت."
المجتمع العربي اليوم يصرخ من الألم، لكنه في الوقت نفسه يبحث عن أمل، عن دولة تستعيد مسؤوليتها، عن شرطة تحمي لا تتفرج، وعن مجتمع يختار الحياة بدل السلاح."القاتل لم يقتل نضال أو زياد فقط، بل قتل جزءًا من إنسانيتنا"، يقول أحد الأهالي.
وإختتم أحد الأهالي:"إن لم نتحرك الآن، فسنستيقظ غدًا على جريمة جديدة... في مدرسة أخرى، أو في بيت آخر."