كأس العالم 2026: أرقام فلكية وتحضيرات غير مسبوقة في ثلاث دول

للمرّة الأولى، سيشارك في البطولة 48 منتخبًا بدلًا من 32، ما يعني مساحة أوسع لمشاركة منتخبات من قارّات لم تكن تتأهّل عادةً إلى المونديال

2 عرض المعرض
مونديال 2026
مونديال 2026
مونديال 2026
(chatgpt)
من نيوجيرسي إلى مكسيكو سيتي، مرورًا بفانكوفر ودالاس وهيوستن، تستعدّ القارّة الأميركية الشمالية لاستقبال كأس العالم 2026، أضخم حدث رياضي في العالم، والذي سيُقام للمرّة الأولى في التاريخ في ثلاث دول مختلفة: الولايات المتّحدة، كندا، والمكسيك. فماذا وراء هذا الحدث العظيم، ولماذا قد يكون الأغلى والأضخم في التاريخ؟
مشروع اقتصادي عالمي
للمرّة الأولى، سيشارك في البطولة 48 منتخبًا بدلًا من 32، ما يعني مساحة أوسع لمشاركة منتخبات من قارّات لم تكن تتأهّل عادةً إلى المونديال، وارتفاع عدد المباريات إلى 104 بدلًا من 64. وستستضيف الولايات المتحدة في 11 مدينة، أبرزها نيويورك، دالاس، ولوس أنجلوس، النصيب الأكبر من المباريات (78 مباراة)، فيما ستستضيف كلّ من كندا والمكسيك 13 مباراة. وتجري المباريات بين 11 يونيو و19 يوليو 2026 في 16 مدينة، حيث تكون الافتتاحية من ملعب "أزتيكا" في مكسيكو سيتي، أحد أكثر الملاعب رمزية في تاريخ كرة القدم، والنهائي في ملعب "ميتلايف" (MetLife) قرب ولاية نيويورك الأمريكيّة.
وتخوض الدول المشاركة اليوم سباقًا مع الزمن لتأهيل الملاعب وتطوير البنى التحتية استعدادًا لاستقبال ملايين الزوّار؛ فإلى جانب الملاعب التاريخية التي تخضع للتجديد، تُقام مشاريع لتوسيع شبكات المترو والسكك الحديدية بين المدن الكبرى، وتحسين الطرق السريعة التي ستربط مواقع المباريات ببعضها. كما تتجهّز المطارات والفنادق لتأمين خدمات لوجستية وسياحية تستوعب الأعداد غير المسبوقة من المشجعين والإعلاميين، بينما تعمل حكومات الولايات والمدن المستضيفة على توحيد خطط النقل العام وأنظمة الأمن والتذاكر الرقمية، بما يحوّل البطولة إلى تجربة تنظيمية تُضاهي كبرى الأحداث العالميّة.
أرقام فلكية ويُقدَّر حجم الاستثمارات بنحو 9.8 مليارات يورو، سيذهب جزءُها الأكبر إلى تجديد وإنشاء عشرات الملاعب لتتوافق مع معايير "فيفا"، إلى جانب مشاريع ضخمة لتوسيع شبكات النقل والمطارات والطرق التي ستربط المدن المستضيفة ببعضها. كما تُخصَّص مبالغ كبيرة لتطوير أنظمة الأمان، وإدارة تدفّق ملايين المشجعين، وتحسين الخدمات السياحية والضيافة حول الملاعب.
في دالاس مثلًا، حيث ستُقام تسع مباريات بينها نصف النهائي، يجري تطوير شامل لشبكات المواصلات العامة ((DART، بينما تشهد هيوستن حملة واسعة لتجميل المدينة، وهدم المباني المهجورة وإضاءة الطرق، في مشروع تتجاوز تكلفته 80 مليون دولار. كلّ ذلك إلى جانب الاستثمار في اللعبة نفسها، من خلال برامج دعم وتدريب وتطوير أكاديميّات كرة القدم في المدن الثلاث.
وإذا كان الإنفاق يبدو فلكيًّا، فإنّ العوائد كذلك: إيرادات بمليارات الدولارات، وتذاكر فرديّة بـ 70 ألف دولار.
بحسب تقديرات فيفا، سيحقّق المونديال إيرادات غير مسبوقة تصل إلى 11 مليار دولار خلال الدورة المالية 2023–2026، بزيادة تقارب 70% (نحو 4.5 مليارات) عن الدورة السابقة. ويُعزى هذا الارتفاع أساسًا إلى توسيع البطولة كما ورد سابقًا، ما يعني مزيدًا من التذاكر ومزيدًا من حقوق البثّ التلفزيوني – التي يُتوقع أن تُدرّ وحدها أكثر من 4.2 مليار دولار، وذلك بفضل التوقيت الملائم للمشاهدات العالمية من أميركا الشمالية، وعدد المباريات القياسي الذي يمنح شبكات التلفزة ساعات بثّ إضافية.
2 عرض المعرض
مونديال 2026
مونديال 2026
مونديال 2026
(chatgpt)
كما يُتوقَّع أن تُحقّق مبيعات التذاكر والضيافة رقمًا غير مسبوق يتجاوز 3 مليارات دولار، بفضل اعتماد فيفا لأوّل مرّة نظام "التسعير الديناميكي"، وهو آلية تسمح بتعديل أسعار التذاكر وفق مستوى الطلب على كل مباراة، تمامًا كما تفعل شركات الطيران والفنادق. وفي المباريات الأكثر طلبًا سترتفع الأسعار تلقائيًا، بينما ستنخفض في المباريات الأقلّ إقبالًا. وقد بدأت بالفعل مبيعات "الباقات الفاخرة" التي تُقدّمها فيفا بالتعاون مع شريكها الرسمي "On Location" ضمن برنامج الضيافة الرسمي، وتشمل حضور جميع مباريات أحد الملاعب الكبرى (مثل ملعب "ميتلايف" الذي سيستضيف النهائي)، مع مقاعد فاخرة وخدمات ضيافة مميّزة، وتصل أسعارها إلى نحو 70 ألف دولار للشخص الواحد.
هذه الإيرادات، إلى جانب تلك الثانوية من الترخيص التجاري، والمبيعات الرقمية، ومتاحف فيفا، والفعاليات المرافقة، تضع البطولة على طريق أن تكون الأكثر ربحًا في تاريخ كرة القدم. وبالمقابل، تتوقّع الولايات المتحدة وحدها أن تضخّ البطولة أكثر من 5 مليارات دولار في اقتصادها المحلّي، مع خلق مئات آلاف الوظائف المؤقتة والدائمة في قطاعات السياحة، النقل، والخدمات.
وفي المكسيك، تُقدّر الحكومة أن تستقطب البطولة خمسة ملايين زائر، وتضخّ ما لا يقلّ عن 3 مليارات دولار في الاقتصاد المحلّي. أمّا في كندا، فتُركّز التحضيرات على الملاعب والمدن السياحية التي تتوقع موجة انتعاش بعد سنوات من تباطؤ النشاط السياحي والاقتصادي الذي خلّفته جائحة كورونا.
الجانب الآخر من الصورة
لكنّ الصورة ليست مثالية بالكامل: فالتكاليف المتصاعدة تثير تساؤلات حول الجدوى الاقتصادية، خصوصًا بعد أن أعلنت مدن كندية مثل فانكوفر وتورنتو عن تجاوز ميزانيّاتها الأصلية بكثير نتيجة نفقات البنية التحتية والأمن. هذا إلى جانب الانتقادات البيئية والحقوقية التي تثيرها البطولة، سواء بسبب استهلاك الطاقة الهائل والتنقّل الجوّي بين المدن، أو بسبب مخاوف تتعلّق بحقوق العمّال في المكسيك واحتجاجات حول سياسات الهجرة في الولايات المتحدة، وتساؤلات عمّا إذا كانت الولايات المتّحدة، بصورتها السياسية الحاليّة، قادرة على استضافة حدث "عالمي" و"مفتوح للجميع"، بينما تطبّق سياسات هجرة متشدّدة.
ورغم هذه الجدل، تصرّ فيفا على أنّ نسخة 2026 ستكون الأكثر عدلًا من الناحية الاقتصادية، مؤكّدة أنّ أرباحها ستُستثمر في تطوير كرة القدم عالميًّا عبر برامج دعم وتمويل تصل إلى 2.25 مليار دولار.
بكلمات أخرى، يبدو أنّ كأس العالم 2026 ليس مجرّد حدث رياضي عالمي، بل عرضٌ شامل للكرة، والاقتصاد، والعولمة بكلّ وجوهها، ومشروع بنية تحتيّة وتنمية اقتصادية ضخمة تُقدَّر قيمتها بما يعادل ميزانية دولة صغيرة، لكن بصدى عالمي لا يُقدَّر بثمن.