تحوّلت لوحة "جذور شجرة"، التي رسمها الفنان الهولندي الشهير فنسنت فان جوخ في اليوم الأخير من حياته، إلى محور نزاع قانوني في قرية أوفير سور أواز الفرنسية، بعدما تبيّن أن الجذور المصوّرة في العمل الفني لا تزال موجودة في موقعها الأصلي حتى اليوم.
اللوحة، التي أُنجزت في 29 يوليو 1890 – اليوم ذاته الذي أنهى فيه فان جوخ حياته إثر محاولة انتحار – أصبحت موضوع نزاع بين بلدية القرية ومالكي العقار الذي تنمو فيه الجذور، والتي تعود إلى شجرة سنط سوداء تُعرف محليًا باسم "الفيل".
جنة الفنانين ومصدر إلهام
تقع أوفير سور أواز شمالي باريس، وتُعرف بلقب "جنة الفنانين"، إذ استضافت على مر العقود أسماء بارزة في عالم الفن، مثل رينوار وسيزان وبيسارو، بالإضافة إلى فان جوخ، الذي أقام فيها 70 يومًا فقط، لكنه خلّدها بـ74 لوحة و33 رسمًا، من بينها "كنيسة أوفير" و"حقل القمح مع الغربان".
وفي إطار تعزيز السياحة الثقافية، أطلقت هيئة النقل الفرنسية خطًا موسميًا من باريس إلى القرية يُعرف باسم "قطار الانطباعيين"، ما زاد من الإقبال على الموقع خلال موسم الربيع.
نزاع على ملكية الأرض... والجذور في قلب المعركة
مع تأكيد الخبراء أن الجذور في اللوحة هي بالفعل في موقع محدد قرب طريق عام في أوفير، طالبت البلدية بالحصول على جزء من الأرض الخاصة، بحجة أنه ضروري لأعمال الصيانة والحفاظ على الموقع التاريخي. إلا أن المحكمة رفضت هذه المطالبة، بعد دعوى قضائية رفعها المالكان جان فرانسوا وهيلين سيرلينجر، مؤكدة عدم وجود أساس قانوني لنقل الملكية.
ورغم القرار القضائي، تعهّدت رئيسة بلدية أوفير، إيزابيل ميزييه، بـ"مواصلة النضال"، وكتبت على وسائل التواصل الاجتماعي:"الجذور ملك لأهل أوفير، ويجب أن تبقى كذلك".
لكن أصحاب العقار ردّوا بأن النزاع يُعرّض الجذور للخطر، خصوصًا بعدما "منعتهم البلدية والخبراء من إقامة هيكل حماية دائم"، متهمين المجلس المحلي بمحاولة "الاستيلاء الإداري على موقع يتمتع بأهمية ثقافية عالمية"، بحسب تصريحاتهم لصحيفة نيويورك تايمز.
اكتشاف حاسم عبر بطاقة بريدية
اللوحة ظلت موضع غموض لعقود، خاصة أن فان جوخ لم يكن يضع تواريخ دقيقة على أعماله. لكن في عام 2020، توصّل الخبير فوتر فان دير فين، المدير العلمي لمعهد فان جوخ، إلى أن الجذور المرسومة في اللوحة تعود فعليًا إلى الموقع المذكور، وذلك بعد مطابقة التفاصيل مع بطاقة بريدية تعود إلى مطلع القرن العشرين، تُظهر الأشجار نفسها.
ويبعد الموقع عن نزل "أوبيرج رافو"، الذي أقام فيه الفنان في أيامه الأخيرة، مسافة 150 مترًا فقط، ما يعزز فرضية أن اللوحة أُنجزت قبل ساعات من وفاته.
تاريخ فني حيّ في خطر
في عام 2023، خصّص متحف أورسيه في باريس أول معرض شامل لأعمال فان جوخ التي أبدعها في أوفير سور أواز، في محاولة لتسليط الضوء على تلك المرحلة القصيرة والحاسمة في حياته الفنية.
لكن، بدلًا من أن يكون الاكتشاف مناسبة للاحتفال بتاريخ فني نادر، أصبح اليوم مركزًا لنزاع قانوني يهدد بتقويض الجهود المبذولة للحفاظ على هذا الإرث الثقافي. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ينبغي أن تصبح الجذور ملكًا عامًا كما ترى البلدية؟ أم أنها تبقى جزءًا من أرض خاصة، كما ينصّ القانون؟