في المشهد الذي جمعه بزعماء إسرائيل خلال زيارته الأخيرة، ظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب من على منصّة الكنسيت الإسرائيلي وهو يرتدي، كعادته، ربطة عنق حمراء لامعة؛ فيما اختار كلّ من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ورئيس الكنيست أمير أوحانا، والرئيس إسحاق هرتسوغ ربطات عنق زرقاء. فماذا وراء مشهد الألوان المتقابلة هذا؟ أهو محض "صدفة بروتوكولية" عابرة، أم انّ وراءه رسالة سياسية أراد كلٌّ منهم إيصالها؟
منذ سنوات، ارتبطت ربطة العنق الحمراء في السياسة الأميركية بما يُعرف اصطلاحًا بـ "ربطة القوة" (Power Tie)، لما ترمز إليه من سلطة وحزم وثقة بالنفس. فاللون الأحمر يجذب الأنظار ويوحي بالهيمنة والقيادة، لذلك يختاره السياسيون عندما يريدون شدّ الانتباه أو تأكيد حضورهم وتأثيرهم. ومنذ حملته الأولى عام 2016، جعل ترامب من الربطة الحمراء جزءًا من هويّته البصرية، فارتبطت صورته بالبدلة الزرقاء وربطة العنق الحمراء الطويلة، في مزيجٍ يعكس ألوان العلم الأميركي من جهة، ويؤكّد انتماءه وولاءه للحزب الجمهوري، الذي يُعَدّ الأحمر لونه الرسمي، من جهة أخرى.
وأين يقف نتنياهو من هذه اللغة اللونية؟
غالبًا ما يظهر نتنياهو بربطة عنق زرقاء، خصوصًا في المناسبات الرسمية وفي لقاءاته مع رؤساء الدول والهيئات الدولية، بما في ذلك خطاباته أمام الكونغرس أو الأمم المتحدة، حيث يسعى إلى إبراز الطابع الوطني والدبلوماسي لإسرائيل؛ وذلك لارتباط اللون الأزرق بالعلم الإسرائيلي مباشرةً. أمّا الربطة الحمراء، فيحتفظ بها نتنياهو لخطاباته السياسية الداخلية، لا سيّما تلك الموجّهة لجمهور اليمين الإسرائيلي أو خلال فترات التوتّر السياسي، مثل جلسات الكنيست الحسّاسة أو المؤتمرات الانتخابية، حين يريد إظهار القوّة والتأكيد على الحزم والقيادة.
دراسات في علم النفس السياسي تشير إلى أنّ الألوان ليست تفصيلًا ثانويًا في المشهد العام، بل أداة تواصل غير لفظيّ لها تأثير مباشر في إدراك الجمهور للقائد وصورته؛ فالأحمر يثير الانتباه ويرتبط بالسلطة والحماس العاطفي، بينما يوحي الأزرق بالثقة والاتّزان والانضباط. ومن هذا المنطلق، فإنّ ارتداء ترامب الأحمر، ونتنياهو الأزرق، لا يُعَدّ مجرّد اختلاف في الذوق، بل انعكاس للاختلاف بين الشخصيّتين، إذ تسعى الأولى لاستعراض القوّة والنفوذ، بينما تحرص الثانية على الظهور بصورة الدولة المستقرّة والمسؤولة أمام العالم.
في النهاية، قد تبدو ربطة العنق قطعة بسيطة من القماش، لكنّها في السياسة جزءٌ من اللغة غير المحكيّة؛ فبحسب خبراء الصورة السياسية في واشنطن، "الألوان اليوم تتحدّث بوضوح يفوق الكلمات، خصوصًا في عصر الإعلام البصري ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث يمكن لصورة واحدة أن تختصر خطابًا كاملًا".
First published: 16:55, 15.10.25


