بعد أسابيع من الحرب، عاد المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، إلى الظهور العلني. ففي 5 يوليو، خلال مراسم عاشوراء التي أُقيمت في مجمعه المحصن في طهران. ظهوره في ليلة عاشوراء، الحدث الشيعي التقليدي، حمل رسالة تحدٍ وقومية واضحة: النظام لم يسقط، والمرشد الروحي لا يزال موجودًا.
لم يكن هذا مجرد ظهور علني محسوب، بل إعلان مدروس – وإن بدا قسريًا – عن "توحيد الصفوف". وإذا كان تحقيق هذا يتطلب استحضار التراث القومي الإيراني، فليكن. غير أن الواقع بعيد كل البعد عن الأجواء الاحتفالية. فخلف هذه الصورة، طُرح التساؤل، هل ستتقبل إيران الضربة أم تخطط للانتقام؟ متى ستُستأنف المعركة؟ وماذا إذا حاولت طهران إعادة بناء البنية التحتية التي دُمرت؟
مر شهر على انتهاء الحرب التي استمرت 12 يومًا، والتي استهدفت أساسًا البرنامج النووي الإيراني، ولا تزال تقييمات الإنجازات مستمرة. ووفقًا لدايفيد أولبرايت، رئيس المعهد الأميركي للعلوم والأمن الدولي وأحد أبرز الخبراء العالميين في هذا المجال، فإن إيران، التي كانت على وشك إنتاج سلاح نووي قبل الحرب، باتت بعيدة جدًا عن تلك القدرة اليوم. ويقدّر أن شبكة الطرد المركزي الإيرانية قد دُمّرت بالكامل، وتمت تصفية عدد من العلماء البارزين، مما ألحق ضررًا كبيرًا بقدرة الجمهورية الإسلامية على إنتاج سلاح نووي.
"الإيرانيون بورطة حقيقية ولكن.."
تقول سيما شاين، الرئيسة السابقة لشعبة الأبحاث في الموساد، والباحثة حاليًا في معهد دراسات الأمن القومي: "الإيرانيون في ورطة حقيقية. لقد تضرر برنامجهم النووي، ولكن الأخطر من ذلك هو تورط الولايات المتحدة. الرسالة السياسية من الهجوم تكمن في هذه المشاركة، وهي بمثابة التزام بعدم السماح لإيران بالوصول إلى قدرة تشغيلية لإنتاج سلاح نووي."
وفقا لها، فإن الخيارات الثلاثة أمام إيران هي:
- التخلي المؤقت عن المشروع النووي، والعودة إلى طاولة المفاوضات، مقابل رفع العقوبات لإنعاش الاقتصاد أو تعزيز قدراتها الصاروخية ومشاريعها الإقليمية.
- العودة التدريجية إلى التخصيب، بأسلوب تقليدي: خطوات صغيرة ومحسوبة مع إشراف دولي محدود، لتبقى إيران على عتبة النووي دون تجاوزها.
- الخيار الأخطر، وهو أن يأمر خامنئي العلماء الناجين من الضربات بتنفيذ تجربة نووية بدائية لإرسال رسالة واضحة: "نحن هنا".
نسبة اليورانيوم المخصب مقلقة
ما يثير القلق في إسرائيل هو اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو قريب جدًا من مستوى صنع القنبلة. وإذا احتفظت إيران بهذا المخزون، يمكنها إنتاج مادة لصنع قنبلة خلال أسابيع. لذا، من المهم معرفة مصير هذا المخزون بالتحديد وفقا لإسرائيل.
رغم خروج مفتشي الأمم المتحدة من إيران، ما زالت طهران مصممة على إعادة بناء برنامجها النووي، والاحتفاظ باليورانيوم المخصب داخل البلاد. وهو ما يزيد من التوتر الدولي ويعرقل استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة. وفي الأسبوع الماضي، اعترف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بـ"أضرار جسيمة" أوقفت التخصيب، لكنه شدد: "لن نتخلى عن التخصيب، فهذا إنجاز علمائنا"، واصفًا البرنامج بأنه "مصدر فخر وطني".
الرئيس الأميركي دونالد ترامب ردّ سريعًا قائلًا: "لقد دمّرنا المنشآت النووية، وإذا لزم الأمر، سنفعلها مرة أخرى".
الشك الإسرائيلي تجاه برنامج إيران النووي
ترى إسرائيل أن إيران لم تعد على عتبة النووي. ووفقًا لمصدر إسرائيلي، تحتاج إيران لعام أو عامين لإنتاج قنبلة قابلة للإطلاق – إذا نجحت في إخفاء نشاطها. لكن هناك شكوك حول ما إذا كانت طهران قد أخفت معدات وطرد مركزي ومخزونات يورانيوم لم تُدمّر.
وهذا، يرفع الاحتمال المتزايد لجولة ثانية من المواجهة، فبحسب مسؤولين، إذا برز تهديد جديد، قد تشن إسرائيل جولة جديدة من الهجوم، مستندة إلى الدروس المستخلصة من حربها الأخيرة التي شاركت فيها الولايات المتحدة وشنت هجوما على البنية التحتية الحيوية.
بحسب وثيقة سياسات من د. راز تسيمت واللواء المتقاعد تمير هايمان، فإن الخطة ستشمل: تنسيق عميق مع واشنطن، هجوم مفاجئ، تدمير القدرات الحيوية، وربما استهداف رموز الحكم لزعزعة النظام.
استعدادات جديدة ومخاطر قادمة
إيران أعلنت أنها مستعدة لهجوم مضاد. الرئيس مسعود پزشكیان هدّد بمهاجمة العمق الإسرائيلي، وقال لقناة الجزيرة: "نحن مستعدون لأي رد عسكري، ولن نتردد في الرد بقوة". في إيران نفسها، يواجه پزشكیان انتقادات من التيار المحافظ لتلميحه إلى استئناف المفاوضات.
في المقابل، دعا صحفيون محافظون إلى "هجوم وقائي" ضد إسرائيل، حتى ولو قبل ساعة واحدة من أي هجوم محتمل.
في الأيام الأخيرة، أجرت إيران تجربة لصاروخ "قاصد" تحت غطاء "تطوير القدرات الفضائية". لكن في الغرب، يُعتبر البرنامج الفضائي الإيراني غطاءً لتطوير صواريخ بعيدة المدى.
السباق نحو المواجهة التالية
في المقابل، إسرائيل تسعى لتجديد مخزون اعتراضاتها الدفاعية والهجومية، ومن جهة أخرى، تبحث إيران عن وسائل للرد أو على الأقل الحفاظ على صورة التماسك. ويجري نقاش حول إمكانية توسيع سياسة "المعركة بين الحروب" لتشمل عمليات داخل إيران نفسها. وفقا لوسائل إعلام إسرائيلية، فإن سلسلة الانفجارات الأخيرة التي شهدتها إيران، يُعتقد أنها جزء من هذه السياسة.
لكن في إسرائيل، هناك من يخشى ردا إيرانا قويا. الجنرال (م) تسفيكا حايموفيتش حذر قائلا "يجب أن نستعد لهجوم أعنف من السابق، بمئات الصواريخ وربما من عدة جبهات بالتوازي – إيران، اليمن، لبنان، سوريا، وغزة". وتابع "علينا أن نحمي منظومات الدفاع نفسها، لأنهم قد يستهدفون راداراتنا ومعداتنا الدفاعية، كما فعلنا نحن لهم".
معركة انتهت لكن الحرب مستمرة؟
رغم وقف إطلاق النار، إلا أن الحرب لم تنتهِ، تقول مصادر إسرائيلية، مضيفة أنه وفي حين تحتفظ إيران بقدرات هجومية كبيرة، فإن أي تصعيد مستقبلي قد يكون أكثر تدميرًا. إسرائيل ترى أن المواجهة القادمة مسألة وقت، وفقا لتقرير تحليلي شامل للقناة الثانية عشرة التي ختمت تقريرها بـ"السؤال الحقيقي هو: متى؟ وبأي ثمن؟".