تشهد السودان تصعيدًا غير مسبوق في الصراع المسلّح بين قوات الدعم السريع (RSF) والجيش السوداني (SAF)، حيث تحوّل النزاع في الأسابيع الأخيرة إلى أزمة إنسانية كارثية، خصوصًا في مدينة الفاشر شمال دارفور، التي أصبحت مسرحًا لأعنف المواجهات وأبشع الانتهاكات ضد المدنيين منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
سيطرة الدعم السريع ومجزرة الفاشر
وفقًا لتقارير إعلامية وحقوقية دولية، سيطرت قوات الدعم السريع مؤخرًا على معظم أحياء مدينة الفاشر بعد انسحاب القوات الحكومية منها، ما أدى إلى انهيار الوضع الأمني بشكل كامل.
منظمات الإغاثة وحقوق الإنسان تحدثت عن مجازر مروّعة طالت المدنيين، إذ قُتل أكثر من 1,500 شخص خلال أيام قليلة، بينهم نساء وأطفال، في عمليات إعدام ميداني وهجمات استهدفت المنازل والمستشفيات.
وأشارت منظمة أطباء السودان الموحد إلى أن المدينة شهدت عمليات قصف جوي وقذائف عشوائية، بينما حُوصرت مئات العائلات داخل أحياء مغلقة، دون إمكانية للهروب أو الحصول على غذاء وماء.
استهداف المستشفيات والمرافق المدنية
أعنف الهجمات وقعت داخل مستشفى الهلال الأحمر السعودي في الفاشر، حيث أفادت منظمة الصحة العالمية بمقتل أكثر من 400 مدني ومريض بعد قصف المبنى الذي كان يؤوي جرحى ونزوحين.
وأدان الأمين العام للأمم المتحدة هذه الهجمات واصفًا إياها بـ"الانتهاك الصارخ للقانون الدولي الإنساني"، فيما دعت منظمات الإغاثة إلى فتح ممرات إنسانية عاجلة لإنقاذ المصابين وإجلاء المدنيين.
كارثة إنسانية غير مسبوقة
الوضع الإنساني في دارفور يوصف بأنه من الأسوأ عالميًا، حيث يعيش السكان تحت حصار خانق ونقص حاد في الغذاء والدواء والمياه.
منظمة أطباء بلا حدود حذّرت من أن سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور وصل إلى مستويات "كارثية"، مع تسجيل وفيات يومية بسبب الجوع وانعدام الرعاية الطبية.
وتقدّر الأمم المتحدة عدد النازحين من الفاشر ومحيطها بأكثر من 26 ألف شخص خلال أسبوع واحد فقط، وسط صعوبة في الوصول إلى المناطق الآمنة بسبب استمرار الاشتباكات على الطرق الرئيسية.
تحذيرات دولية وتنديد عربي
وصفت تقارير أممية وعربية ما يجري في دارفور بأنه جرائم ضد الإنسانية قد ترقى إلى الإبادة الجماعية، فيما دعا نواب في الكونغرس الأميركي والاتحاد الأوروبي إلى تحقيق دولي عاجل ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. كما أصدرت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بيانات تنديد، وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
أزمة تتجاوز الفاشر
في المقابل، يرى مراقبون أن سقوط الفاشر بيد قوات الدعم السريع يشكّل تحوّلًا استراتيجيًا في ميزان القوى داخل السودان، إذ تُعد المدينة آخر معقل رئيسي للجيش في إقليم دارفور. ويُخشى أن يؤدي هذا التطور إلى انهيار كامل للمؤسسات المدنية في المنطقة، وفتح الباب أمام تقسيم فعلي للسودان بين مناطق نفوذ متعددة.
نداء أخير
مع استمرار القتال وتدهور الوضع الإنساني، تحذر المنظمات من "انفجار وشيك" في دارفور قد يؤدي إلى موجة نزوح كبرى تتجاوز حدود السودان، ما لم يتم وقف القتال فورًا وفتح الممرات الإنسانية.


