تشهد العلاقات بين إسرائيل وتركيا توترًا متصاعدًا قد يُفضي إلى مواجهة مباشرة بين الطرفين على الأراضي السورية، في ظل تصاعد الهجمات الجوية الإسرائيلية خلال الأيام الأخيرة. وتعرب جهات أمنية إسرائيلية عن قلق متزايد من محاولات أنقرة ترسيخ وجود عسكري لها في منشآت ومواقع بسوريا، فيما تؤكد إسرائيل أنها لن تسمح بذلك "تحت أي ظرف".
في الأسبوع الماضي، نفّذت القوات الإسرائيلية سلسلة غارات على قواعد تابعة لسلاح الجو السوري في عهد نظام الأسد، وذلك تحسبًا من نية تركيا الاستيلاء على هذه المواقع . ومن أبرز الأهداف التي تم قصفها مطار T4 في محافظة حمص، قرب تدمر، وهو موقع استخدمه الجيش الروسي خلال سنوات الحرب الأهلية.
ووفقًا لما نشرته وكالة أنباء "الأناضول" التركية، فإن الصور التي التُقطت بطائرة مسيرة تُظهر دمارًا هائلًا في المطار، حيث دُمّر برج المراقبة، ومدرج الطيران، والحظائر، ومرافق أساسية أخرى، ما جعله غير صالح للاستخدام، بحسب تقارير استخباراتية نقلتها وكالة "رويترز".
محاولة تركية للتمركز في سوريا
في الأسابيع الأخيرة، زارت فرق هندسية تركية عدة قواعد عسكرية في سوريا، وفي مقدمتها قاعدة T4، ضمن تحضيرات تهدف إلى السيطرة عليها. ونقل الصحفي التركي رجب سويليو، المعروف بقربه من دوائر صنع القرار في حكومة أردوغان، أن هناك استعدادًا فعليًا تركيًا للاستحواذ على تلك القواعد، خاصة بعد انهيار نظام بشار الأسد وصعود الرئيس الجديد أحمد الشرع "الجولاني".
وتشير التقديرات إلى أن أنقرة تهدف إلى إقامة شبكة لطائرات مسيّرة ومنظومات دفاع جوي قرب الحدود الإسرائيلية، لردع الغارات الإسرائيلية المتكررة داخل الأراضي السورية. كما عبّرت أوساط تركية عن رغبة في "جني ثمار" دعمها لقوات الشرع عبر فرض نفوذ استراتيجي داخل سوريا.
وتتعرض الحملة الجوية الإسرائيلية لانتقادات دولية حادة، باعتبار أنها تجري "دون استفزاز مسبق" من قبل الحكومة السورية الجديدة، التي لم تتخذ حتى الآن مواقف عدائية مباشرة تجاه إسرائيل، باستثناء بيانات إدانة محدودة.
رسالة إسرائيلية واضحة لأنقرة
بحسب تقرير "رويترز"، فإن إسرائيل وتركيا كانتا على شفا مواجهة مباشرة قبل نحو أسبوعين، حين استهدفت إسرائيل بغارة جوية ضخمة قاعدة T4 ليلة 25 مارس، في وقت كانت فيه بعثة تركية تستعد لزيارة الموقع صباح اليوم التالي. اعتُبر الهجوم بمثابة رسالة واضحة من إسرائيل إلى حكومة أردوغان بأنها لن تتسامح مع أي تموضع تركي على الأراضي السورية.
التحركات التركية في سوريا تأتي ضمن سياسة توسعية أوسع تنتهجها أنقرة في مناطق مختلفة من العالم، خصوصًا في إفريقيا. وتشير تقارير إلى نشاط دبلوماسي وأمني متزايد لتركيا في منطقة القرن الإفريقي، حيث تسعى لإنشاء ميناء عسكري قرب البحر الأحمر في الصومال، إلى جانب جهود وساطة قادها أردوغان بين إثيوبيا والصومال. كما كثّفت تركيا من صفقات السلاح مع عدد من الدول الإفريقية، مما يعكس توجّهًا استراتيجيًا جديدًا في سياستها الخارجية.
قلق إسرائيلي من بقايا السلاح الكيماوي في سوريا
إلى جانب المخاوف من التوسع التركي، تتابع إسرائيل بقلق بالغ تقارير أمنية حول ما تبقّى من الأسلحة الكيماوية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية أن هناك ما لا يقل عن 100 موقع يحتوي على أسلحة أو مواد كيميائية، تُركت من دون حراسة كافية.
وتشير التقديرات إلى أن هذه المواقع كانت تُستخدم في إنتاج وتخزين غازات قاتلة، خلال الحرب الأهلية. ومع سيطرة جهات جهادية متشددة على السلطة – يُعتقد أنها قريبة من فكر تنظيم القاعدة – تُثار مخاوف من عدم قدرتها أو رغبتها في تأمين هذه المنشآت.
وتحذّر أجهزة استخبارات دولية من أن بعض هذه المواقع ربما تم إخفاؤها في مناطق جبلية أو نائية، ما يصعّب من تعقّبها أو تأمينها، ويزيد من احتمال وقوعها في أيدي جماعات مثل "داعش" أو فصائل متطرفة أخرى.