قال الخبير الاقتصادي الدكتور رمزي حلبي في حديث لراديو الناس إن وقف إطلاق النار يحمل تداعيات اقتصادية فورية، أبرزها استقرار الأسواق المالية وارتفاع مؤشرات البورصة في تل أبيب، مشيراً إلى أن "مؤشر تل أبيب 125 سجل ارتفاعاً ملحوظاً، إلى جانب تحسن في ثقة المستثمرين وانخفاض في مستوى المخاطر الجيوسياسية".
استقرار الأسواق وارتفاع الثقة الاستثمارية
وأوضح حلبي أن قيمة الشيكل ارتفعت أمام العملات الأجنبية في أعقاب الإعلان عن الاتفاق، مؤكداً أن "انخفاض التكلفة العسكرية وتقليل الحاجة لتجنيد قوات الاحتياط سينعكسان إيجابياً على الاقتصاد، خاصة في عودة النشاط الاقتصادي في الجنوب والشمال وتحسين البيئة للمصالح الصغيرة".
وأضاف أن هذه الأجواء قد "تعزز الثقة الدولية بإسرائيل وتشجع على عودة الاستثمارات الأجنبية تدريجياً"، مشيراً إلى أن استمرار الاستقرار السياسي والأمني سيُبقي هذه المؤشرات في منحى إيجابي.
وعن الخطوات الاقتصادية الأولى المطلوبة بعد وقف الحرب، شدد د. حلبي على أن "الحكومة يجب أن توجه ميزانياتها نحو إعادة الإعمار وتعويض المتضررين داخل الدولة، خصوصاً في المناطق التي تضررت بنيتها التحتية".
وأضاف أن ذلك سيؤدي بطبيعة الحال إلى "زيادة العجز في الموازنة العامة"، لكنه أوضح أن "الإنفاق في هذه المرحلة ضروري لإعادة ترميم ما تهدّم وتحريك عجلة الاقتصاد".
وقال: "من المهم إطلاق مشاريع تنموية جديدة في المناطق المتضررة وتهيئة المناخ لعودة السياحة وفرع البناء إلى مسارهما الطبيعي"، لافتاً إلى أن المجتمع العربي "كان من أكثر الفئات تضرراً خلال الحرب"، ومن المتوقع أن "تنعكس الأجواء الإيجابية عليه من خلال إعادة توظيف العاملين الذين فقدوا أعمالهم في قطاعات مثل البناء والضيافة والخدمات".
أبرز القطاعات المرشحة للانتعاش
أشار حلبي إلى أن القطاعات الأولى التي يُتوقع أن تنتعش فور استقرار الأوضاع هي أسواق المال وقطاع الهايتيك، موضحاً أن "إسرائيل تعتمد كثيراً على الهايتيك، وقد شهد هذا القطاع تراجعاً في الاستثمارات الخارجية خلال الحرب، كما تراجع استيعاب المهندسين والمهندسات من المجتمع العربي". وأضاف: "أتوقع أن يشهد هذا المجال انتعاشاً واضحاً في حال استمرار الأجواء السياسية الإيجابية".
كما تطرّق إلى وضع السلطات المحلية العربية، قائلاً إن "رؤساء السلطات اشتكوا مؤخراً من شح في الميزانيات وعدم تنفيذ الاتفاقية الخماسية مع الحكومة"، مضيفاً أن المرحلة المقبلة قد تشهد "رصد ميزانيات جديدة للبنية التحتية وتطوير الاقتصاد المحلي، ما سيعود بالفائدة على قطاعات كالبناء، والتجارة، والخدمات المالية، والضيافة".
الحرب كبّدت الاقتصاد خسائر فادحة
وحول تأثير الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي، قال د. حلبي إن التكلفة الإجمالية بلغت نحو 300 مليار شيكل، أي ما يعادل 88 مليار دولار، مشيراً إلى أن "ميزانية الدفاع ارتفعت من 60 إلى 107 مليارات شيكل سنوياً، فيما انخفض النمو الاقتصادي من 5% إلى أقل من 2%، وهو تراجع مقلق للغاية".
وأضاف: "هذا الانخفاض أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وفرض ضرائب جديدة، ما أثّر على مستوى المعيشة العام"، مؤكداً أن "عودة الأجواء الإيجابية سياسياً وأمنياً كفيلة بتحسين الوضع الاقتصادي الكلي واستقرار ميزانيات الأسر، إلى جانب خفض النفقات العسكرية وتوجيه الموارد نحو التنمية والبنى التحتية".
الثقة بين الحكومة والمجتمع مفتاح التعافي
وأكد حلبي أن استعادة الثقة بين الحكومة والمواطنين "تشكل شرطاً أساسياً لتعافي الاقتصاد"، مشيراً إلى أن "الثقة منعدمة تقريباً في ظل سياسات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش تجاه المجتمع الإسرائيلي عموماً والعربي خصوصاً".
وتعليقاً على تصريحات سموتريتش المعارضة للاتفاق والتي قال فيها "إننا لا نريد العودة إلى مسار أوسلو"، أوضح حلبي أن "المعارضة السياسية قد تؤثر على أجواء السوق، لكنها لن تمنع تنفيذ الاتفاق طالما هناك إرادة سياسية عليا للمضي قدماً".
وفي ختام حديثه، شدد الخبير الاقتصادي على أن قياس جدية الاتفاق من الناحية الاقتصادية يعتمد على عدة مؤشرات، منها: "إطلاق مشاريع إعادة ترميم المناطق الحدودية المتضررة، تشجيع الحكومة للمرافق الاقتصادية على العودة إلى العمل الكامل، عودة السياحة تدريجياً بعد توقفها التام خلال الحرب، والسماح بعودة نحو 120 ألف عامل فلسطيني إلى قطاع البناء داخل إسرائيل بدل استقدام عمال أجانب".
وأضاف أن "تفاهمات طويلة المدى مع دول مثل مصر وقطر حول إعادة إعمار غزة ومشاريع البنية التحتية يمكن أن تفتح صفحة جديدة من التعاون الاقتصادي الإقليمي".


