كشف تحقيق موسّع أجراه باحثو منظمة «فايك ريبورتر» عن أول عملية تأثير أجنبية يُرصد نشاطها بشكل منظّم ومباشر داخل المجتمع العربي في إسرائيل، ويُرجّح أن تكون مُدارة من جهات في إيران، في سابقة اعتُبرت «تصعيدًا خطيرًا» في التهديدات الرقمية.
ووفق التحقيق، عملت الشبكة على نشر رسائل موجهة تتناول قضايا تتصدر الأجندة العامة في المجتمع العربي، من بينها الحرب على غزة، هدم البيوت في الضفة الغربية ومنطقة المثلث، القمع السياسي، انتهاكات حقوق الإنسان، وتصاعد الجريمة، مستخدمةً مواقع إلكترونية وهمية، وحسابات مزيفة (أفاتارات) على شبكات التواصل الاجتماعي.
وأشار التقرير إلى أن الشبكة حققت «إنجازات مقلقة»، إذ نجحت في خداع ناشطين اجتماعيين، وسيلة إعلام مركزية ناطقة بالعربية، وحتى حزب سياسي يهودي–عربي، ما منحها شرعية وتأثيرًا فعليًا في الفضاء العام.
وخلال الأسبوع الجاري، أُزيلت عدة حسابات تابعة للشبكة من منصات التواصل، عقب توجه صحيفة «هآرتس» إلى جهاز الشاباك وإلى مشغلي الصفحات أنفسهم. ورغم ذلك، أكد باحثو «فايك ريبورتر» أن الشبكة ما زالت في مراحلها الأولى، وهو ما سهّل تتبع بعض حساباتها على إنستغرام، إكس (تويتر سابقًا) وتلغرام، التي تبيّن أن جزءًا منها يُدار من إيران.
وبيّن التحقيق أن للشبكة ثلاثة أذرع رقمية رئيسية، ظهرت كجهات مستقلة، لكنها في الواقع تعمل بتنسيق كامل:
الأول، «أهلنا» (أهلنا)، الذي قدّم نفسه كـ«تنظيم مستقل لشباب عرب ويهود»، رغم أنه غير موجود على أرض الواقع. وقد وصل عدد متابعي حساباته إلى نحو 65 ألفًا، قبل أن يتضح أن صفحته على إنستغرام، التي أُزيلت لاحقًا، كانت تُدار من بنغلادش. ونشر هذا الكيان محتوى منسوخًا من وسائل إعلام إسرائيلية وصفحات معروفة، بعد إعادة تغليفه بشعاره وتقديمه كمحتوى أصلي، ثم ركّز لاحقًا على قضايا الجريمة، هدم البيوت، التظاهرات، والأوضاع الاجتماعية–الاقتصادية في المجتمع العربي.
الذراع الثانية للشبكة، «عشان 48»، قدّمت نفسها كمجلة رقمية للثقافة والسياسة، بموقع إلكتروني أنيق أُنشئ عبر منصة WIX، غير أن غالبية محتواه كان منسوخًا أو مُنتجًا بواسطة الذكاء الاصطناعي. واستخدمت المجلة أسماء كتّاب وهميين، تبيّن أن صورهم الشخصية مولّدة بالذكاء الاصطناعي، وأن حساباتها تُدار من دول مختلفة، بينها إيران.
أما الذراع الثالثة، «معًا من أجل الوطن»، فهي قناة إخبارية بديلة ما تزال في بداياتها، تنشط عبر حسابات على إنستغرام وفيسبوك، وتعيد نشر أخبار مترجمة أو منسوخة، مع توجيه المتابعين إلى حساب شخصي على تلغرام يتيح تواصلًا مباشرًا وجمع معلومات. ولاحظ الباحثون مؤشرات تقنية، بينها استخدام حروف خاصة بلوحة المفاتيح الفارسية، ما يعزز الشبهات حول مصدر التشغيل.
وفي تعليقهم، أكد باحثو «فايك ريبورتر» أن بنية الشبكة، ومستوى الإنتاج، واستخدام لغة محلية سلسة وسرديات مصممة لجمهور محدد، جعلتها مقنعة حتى لأشخاص ذوي خبرة. وقال مدير البحث في المنظمة، غسان مطر، إن الفجوات الرقمية وواقع كون المجتمع العربي أقلية «يجعلانه أكثر عرضة للتلاعب»، محذرًا من أن ما كُشف يشكّل «نقطة إنذار حمراء» تستوجب رفع الوعي والحصانة الرقمية.
من جهته، قال رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، النائب السابق جمال زحالقة، إن ظاهرة الأخبار الكاذبة تمثل خطرًا داخليًا وخارجيًا على حد سواء، داعيًا إلى اليقظة وعدم الانجرار وراء خطاب يهدف إلى بث الفتنة والانقسام، ومشددًا على الحاجة إلى آليات رقابة وتحقق مستقلة داخل المجتمع العربي نفسه.
في المقابل، امتنع جهاز الشاباك عن التعليق على تفاصيل الشبكة التي كُشف عنها، مكتفيًا بتأكيده، في تصريحات سابقة، أنه يعمل على مواجهة محاولات التأثير الأجنبي التي تستهدف المساس بأمن الدولة والنظام الديمقراطي.


