دراستان منفصلتان نُشرتا في مجلّات علميّة متخصّصة، تؤكّدان أنّ وضع المكياج ليس مجرّد "روتين يومي" أو وسيلة لتحسين المظهر، بل أداة تواصُل اجتماعية تحمل أبعادًا تنافسية واستراتيجية؛ وقد تعمل، في كثير من الأحيان، كإشارة خفيّة بين النساء، اللواتي يحدّدن طريقة استخدامه وفق الموقف والمكان الذي يتواجدنَ فيه.
المكياج كلغة تنافسيّة بين النساء
دراسة نُشرت في مجلّة "Personality and Individual Differences"، أظهرت أنّ المكياج لا يقتصر على تحسين المظهر الخارجي، بل يغيّر أيضًا الطريقة التي تنظر بها النساء بعضهن إلى بعض. في تجربة شملت 110 مشارِكات، طُلِب منهنّ تقييم وجوه نساء، بعضها من دون مكياج وأخرى بمكياج خفيف إلى متوسّط. وبحسب النتائج، قُيّمت الوجوه التي تضع المكياج على أنها أكثر جاذبية، لكنّها في الوقت نفسه بدت أكثر عدوانية وأكثر قدرة على القيادة. واللافت، أنّ هذا الانطباع لم يكن موحّدًا: فالنساء الأكثر جمالًا ظهرن بالمكياج كأنهن أكثر عدوانية، بينما ارتبط المكياج لدى الأقلّ جمالًا بزيادة القدرة القياديّة.
وفي تجربة ثانية ضمّت 472 امرأة، تبيّن أنّ المشارِكات اللواتي يعتبرن أنفسهن جذابات جدًا شعرن بانخفاض في جاذبيتهن الذاتية بعد مشاهدة وجوه جميلة بالمكياج، بينما لم يظهر هذا التأثير لدى مَن قيّمن أنفسهن بأقلّ جاذبية. الباحثة داني سوليكوفسكي لخّصت النتائج بالقول: "عندما تضع النساء الجذابات جدًا المكياج، يُنظر إليهن كأكثر عدوانية، بينما النساء الأقلّ جاذبية يظهرن كقائدات أفضل. واللافت أن النساء اللواتي يعتبرن أنفسهن جذابات جدًا يشعرن غالبًا بانخفاض جاذبيتهن بعد مشاهدة أخريات يضعن المكياج".
وتشير أبحاث أخرى إلى ظاهرة تُعرف بـ "عقوبة التجميل الاستراتيجية"، حيث تميل النساء إلى إطلاق أحكام سلبية على نساء يستخدمن المكياج، وتتراجع رغبتهن في تكوين علاقات اجتماعية معهن، وهو ما يبرز الجانب التنافسي المباشر لهذا السلوك.
بين إبراز المظهر وإخفائه
دراسة ثانية بعنوان " To Enhance, or not to Enhance" قدّمت منظورًا تكميليًّا، إذ بيّنت أنّ قرار وضع المكياج يتأثّر بالسياق المباشر: ففي بيئات العمل أو اللقاءات الاجتماعية والرومانسية، تميل النساء إلى تعزيز جاذبيتهن لترك انطباع إيجابي، بينما في المواقف التي تحمل تهديدًا أو خطرًا، قد يخترن التراجع عن تحسين مظهرهن أو حتى تقليله عمدًا، لتجنّب لفت الانتباه غير المرغوب فيه.
ومن الناحية البيولوجيّة
تُفسَّر هذه النتائج أيضًا من منظور علم الأحياء والتطوّر، إذ تُعتبر سمات مثل العيون الكبيرة والشفاه الممتلئة علامات على الشباب والصحة، وهو ما يجعلها جذّابة بشكل خاصّ. وعندما يضخّم المكياج هذه السمات، تتحوّل إلى ما يُعرف بـ "منبّهات فائقة" تستثير استجابات أقوى من المعتاد. فالكحل، مثلًا، يجعل العين تبدو أكبر ويُبرز بياضها، فيما تزيد الرموش الطويلة المزيّنة بالماسكارا من قوة الجاذبية. هذه التفاصيل الدقيقة تُقرأ كإشارات على الحيوية والخصوبة، الأمر الذي يعزّز قيمة المرأة في نظر الآخرين كشريكة محتملة.
أثر يتجاوز المظهر الخارجي
ولا يقتصر دور المكياج على الطريقة التي يُنظر بها إلى المرأة من الخارج، بل ينعكس أيضًا على إدراكها لذاتها. فقد أظهرت الأبحاث أنه قادر على رفع تقدير الذات، وتحسين الأداء المعرفي، كما يمكن أن يعمل كـ "قناع نفسي" يخفّف من التصوّرات السلبية ويمنح النساء اللواتي يعانين من قلق اجتماعي شعورًا أكبر بالثقة والاطمئنان عند التعامل مع الآخرين.
ما تكشفه هذه الدراسات مجتمعة هو أنّ المكياج يتجاوز كونه وسيلة لتحسين المظهر الخارجي، ليغدو أداة استراتيجية للتواصل والتأثير: فهو قد يكون أداة للتنافس بين النساء، ووسيلة لتعزيز الحضور الاجتماعي أو المهني، كما يمكن أن يُستخدم لتجنّب الانتباه غير المرغوب فيه. وبين إبراز الجاذبية أو إضعافها، يتكشّف المكياج كأداة مرنة تعكس دوافع النساء ومكانتهن داخل شبكة العلاقات والتفاعلات اليومية.