تشهد مدينة كفر قاسم أعمال تنقيب واسعة بعد العثور على موقع أثري مميّز يضم قصرًا أو عزبة زراعية فخمة تعود إلى نحو 1600 عام، في منطقة شمالي المدينة قرب المنطقة الصناعية، وذلك قبيل الشروع في إقامة حي سكني جديد بمبادرة بلدية كفر قاسم ووزارة البناء والإسكان.
د. وليد أطرش: الحديث عن عزبة زراعية فخمة من الفترة البيزنطية السامرية
استوديو المساء مع شيرين يونس
08:03
وقال د. وليد أطرش، الباحث في سلطة الآثار، في مقابلة مع راديو الناس: "نحن بصدد اكتشاف عزبة زراعية فخمة من الفترة البيزنطية السامرية، تضم قصرًا كبيرًا، قاعات وغرفًا مزخرفة بالفسيفساء الملوّن ذات نقوش هندسية وزخارف نباتية وفواكه، منها العنب والرمان والتين وحتى الخرشوف والهليون. هذه المكتشفات تعطينا صورة حيّة عن الحياة الزراعية والغذائية قبل أكثر من ألف عام".
وأوضح أطرش أنّ الموقع يتكوّن من عدة طبقات أثرية، أقدمها من القرن الثاني الميلادي في الفترة الرومانية، وصولًا إلى الفترة البيزنطية السامرية. وأضاف: "ما عُثر عليه يثبت ارتباط المكان بالطائفة السامرية، خاصة بوجود معصرة زيتون تقليدية بجانب بركة طهارة (ميكفي)، وهو ما يعكس الطقوس الدينية المتعلقة بإنتاج الزيت الطاهر".
وأشار إلى أنّ التنقيبات كشفت كذلك عن نقش يوناني محفوظ جزئيًا عند مدخل إحدى الغرف، يحمل كلمة "مبارك"، إضافة إلى بعض الحروف التي يُحتمل أن تكون جزءًا من اسم صاحب العزبة.
ولفت أطرش إلى أنّ أهمية الاكتشاف تكمن في "إبراز الحياة اليومية والثقافية في تلك الحقبة، وربطه بشخصيات تاريخية مثل منندر الساحر السامري، أحد أبرز معارضي المسيحية في القرن الأول الميلادي".
وبيّن الباحث أنّ عملية التنقيب تأتي ضمن ما يُعرف بـ"حفريات الإنقاذ"، موضحًا: "قبل تنفيذ أي مشروع بناء، نقوم بعمليات مسح أولي لمعرفة ما يحتويه الموقع. وفي هذه الحالة، تمكّنا من توثيق وحماية أهم المقتنيات".
وحول مستقبل هذه الآثار، قال أطرش: "بلدية كفر قاسم أبدت تجاوبًا كبيرًا، وهناك تعاون مع وزارة الإسكان وسلطة الآثار من أجل الحفاظ على الفسيفساء والمعصرة وبركة الطهارة، لتكون جزءًا من ساحة عامة مفتوحة في الحي الجديد. كما تُجرى دراسة لإقامة متحف محلي في كفر قاسم لعرض هذه المكتشفات".
واختتم حديثه بالتأكيد على أن هذا المشروع يحمل بعدًا ثقافيًا وحضاريًا، قائلاً: "نحن لا نحافظ فقط على حجارة قديمة، بل نعيد إحياء قصة تاريخية تعكس غنى وتنوع الحضارة التي مرّت في منطقتنا".