تامر نفّار، الفنّان الفلسطيني الذي انطلق من أحياء اللدّ ليصل إلى مسارح العالم، رسّخ حضوره بأغانٍ جريئة تجمع بين النقد السياسي والاجتماعي والتجربة الشخصية، ليبني هويّة موسيقية خاصّة ومؤثّرة. وبصفته مؤسّس فرقة "دام"، التي شكّلت محطّة بارزة في المشهد الفنّي الفلسطيني، وصاحب رصيد واسع من الأعمال الفرديّة، لم يكتفِ بإعادة تعريف حدود الأغنية الفلسطينية، بل سعى أيضًا إلى توسيعها نحو تجارب تحمل أبعادًا تجاريّة غير مألوفة. وفي حوار خاصّ مع "راديو الناس"، تحدّث نفّار عن أحدث مشاريعه "حتة خضرا" و"خلّينا في توداي"، كاشفًا عن زوايا جديدة في مسيرته، حيث يلتقي الفنّ بالإعلان دون أن يتخلّى عن صورته الخاصّة.
"حتة خضرا": إعلان بصوت الفنّ
قدّم نفّار لجمهوره أغنية "حتّة خضرا"، ليتّضح أنها في الأصل مشروع إعلاني لشركة"Holy International" المتخصّصة بالعشب الاصطناعي، لصاحبها شادي زهر من النّاصرة. الفكرة، كما يقول، كانت أن تبقى الأغنية عملًا فنّيًا متكاملًا، وفي الوقت نفسه تؤدّي دورَها الدعائي. ويرى نفّار انّ الإعلان، رغم طبيعته التجاريّة، قادرٌ على أن يحمل قيمة فنّية وإبداعية إذا استند إلى قصّة وأشخاص وتجربة إنسانيّة حيّة. من هنا جاءت التحيّة في مطلع الأغنية إلى "أبو إسكندر"، والد شادي، كرمز للبعد العائلي والشخصي الذي ارتبط بالقصّة منذ انطلاقتها.
ما هي "الحتّة الخضرا" في حياة تامر نفّار؟
في حديثه، توقّف نفّار عند ذكريات طفولته في بيت جدّته، حيث كان يجتمع مع أبناء عائلته في مكان أطلقوا عليه اسم "الواحة الخضراء"، وقد ظلّ هذا المكان محفورًا في ذاكرته كمساحة للطفولة والحميميّة العائلية، ومكان تلتقي فيه العائلة حول طاولة واحدة. من هنا جاءت أيضًا عبارة "كل ما تكبر الدنيا تصغر الدنيا"، الذي ربطها بالحنين إلى تلك البقعة الخضراء، موضحًا أنّ عالمه اليوم اتّسع بالمسؤوليات، لكنّه انكمش ليقتصر على أولاده وعائلته.
ولأنّ الشركة تسوّق منتجاتها في البلاد وفي اليونان، جاء التعاون مع المغنّية اليونانية أليكس ماندي ليمنح الأغنية بُعدًا عالميًا. وبالنسبة لنفّار، لم يكن ذلك تفصيلًا تجاريًّا فحسب، بل فرصةً فنّية للانفتاح على سوق جديد.
الأغنية، الذي شارك في إعداد موسيقاها "دي جي جميل"، شقيق نفّار، في تعاون ليس الأوّل من نوعه، إلى جانب محمد كرزون على الإيقاع، لاقت تفاعلًا مدهشًا من الجمهور، الذي اعتبرها قفزةً نوعيّة بفضل التعاون مع ماندي وما أتاحه من انكشاف إلى جمهور خارج البلاد. ويوضح نفّار، انّ إدخاله عبارة "سوبرلانسر، فيراري"، جاء كتعبير مجازي عن الطموح، مشبّهًا "حتة خضرا" بما حقّقته أغنية "سوبرلانسر" من نجاح، ورغبته في أن تكون هذه الخطوة أشبه بانتقال من سيّارة عادية إلى "فيراري".
"تحدٍّ يفتح آفاقًا
وعن أغنية "خلينا في توداي"، التي أُنتجت بالتعاون مع الشركة المبتكرة للمشروب الصيفي، يقول نفّار انّ الشركة رأت فيه الصوت الأنسب لحمل الرسالة، لما يتمتّع به من قدرة على المزج بين الترفيه والرسائل الاجتماعية. ويصف نفّار المشروب بأنّه انعكاس للحياة اليوميّة بتفاصيلها، إذ صُمّم كمشروب صيفي مليء بالألوان والنكهات، تمامًا كما يظهر في الكليب المصوّر، ويضمّ ثماني زجاجات، لكلّ يوم لون وطعم خاصّ به؛ في إشارة إلى أنّ الحياة اليومية، رغم رتابتها، تبقى متغيّرة ومتنوّعة.
الحفاظ على الفن والرسالة التجارية
وعن التوازن بين الرسالة التجارية والحفاظ على صوته الفنّي، قال نفّار إنّ التجربة كانت بمثابة صراع بين أن تبقى الأغنية لهويّة الفنان أو أن تتحوّل لهوية المُنتج، غير أنّ النتيجة جاءت من خلال دمج الهويّتين في عمل واحد، وهو ما اعتبره تحدّيًا فتح له آفاقًا جديدة. وأكّد، أنّه دائمًا ما يحبّ أن يتحدّى نفسه، مستشهدًا بإصداره "سولو" ثمّ "سلام يا صاحبي" ثمّ "إيمتى نجوّزك يمّا" في فترة قصيرة، كأمثلة على انتقالاته المتنوّعة.
بداية لخطّ جديد؟
"من ثمّك لباب السما. الله يكثّر من هالتجارب". لم يخفِ نفّار حماسه عن احتمال ان تكون هذه التجربة بداية لخطّ جديد في مسيرته، مؤكّدًا أنّ دخوله في مشروع تجاري لم يكن خروجًا عن الفنّ، بل محاولة لاكتشافه داخل مساحات جديدة. ويرى نفّار أنّ التفكير التجاري، من تصميم المُنتج إلى تسويقه، يمكن أن يشبه في إبداعيّته عملية كتابة أغنية أو تلحينها.
ويختم بالقول، انّ الخطّ الفاصل بين الفنّ والإعلان، بنظره، لم يعُد صارمًا، بل يمكن للفنّان أن يجد في التعاون مع الشركات مساحةً جديدة للإبداع، شرط ألّا يتخلّى عن صوته وهويّته الفنّية.