الغياب الإسرائيلي عن جنازة البابا لم يكن صدفة

مقاطعة إسرائيل لجنازة البابا فرنسيس كشفت عن موقف سياسي تجاه الكنيسة والمسيحيين، يتجاوز البروتوكولات إلى إعلان رفض لقيم إنسانية جامعة         

عفاف شيني|
2 عرض المعرض
مراسم تشييع جثمان البابا فرنسيس في الفاتيكان
مراسم تشييع جثمان البابا فرنسيس في الفاتيكان
مراسم تشييع جثمان البابا فرنسيس في الفاتيكان
(لقطة من شاشة)
مقاطعة إسرائيل لجنازة البابا فرنسيس لم تكن مجرد خطأ بروتوكولي أو لحظة توتر عابرة في علاقاتها مع الفاتيكان، بل جاءت كإعلان موقف واضح وصريح تجاه رأس الكنيسة الكاثوليكية، وتجاه القيم التي عبّر عنها طوال حياته. هذا التغيّب لم يكن عرضيًا، بل يعكس رفضًا إسرائيليًا لمواقف البابا الإنسانية، خاصة تلك التي أدان فيها العدوان على غزة، ودعا إلى وقف الحرب وإنهاء معاناة المدنيين.
البابا فرنسيس كان صوتًا ضميرًا عالميًا في وجه الحروب والدمار. لم يكتف بإدانة قتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، بل نادى بالكرامة الإنسانية لكل الأطراف، وطالب بإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في غزة، والتقى بذويهم وعبّر عن تعاطفه معهم. مع ذلك، لم يكن هذا كافيًا لإسرائيل، التي لم تحتمل موقفًا أخلاقيًا متوازنًا، وأرادت من رأس الكنيسة الكاثوليكية موقفًا سياسيًا منسجمًا مع سياساتها، خاليًا من النقد أو الإدانة.
عفاف شينيعفاف شينيراديو الناس
معايير مزدوجة ومواقف انتقائية
ما تكشفه هذه المقاطعة هو أن إسرائيل، التي تدّعي الديمقراطية، تمارس سياسة انتقائية في التعامل مع القيم الإنسانية والدينية، فهي ترفض أي موقف لا يتماشى مع رؤيتها الأحادية، حتى لو جاء من شخصية روحية عالمية مثل البابا. هذا ليس جديدًا، فالتضييق على المسيحيين في القدس، والاعتداءات المتكررة على رجال الدين والمصلين، والانتهاكات المتواصلة لحرمة الكنائس، هي ممارسات توثّق هذا النهج منذ سنوات.
من يحترم المسيحيين لا يقمعهم في مناسباتهم الدينية مثل سبت النور، ولا يفرض القيود عليهم، ولا يعتدي على مقدساتهم. ومن يدّعي حماية حرية الأديان لا يتغاضى عن تفجير كنائس مثل كنيسة القديس برفيريوس في غزة، ولا يسعى للسيطرة على أملاك الكنائس في القدس القديمة.
2 عرض المعرض
قداسة البابا فرنسي
قداسة البابا فرنسي
قداسة البابا فرنسي
(Chatgpt)
بين المستوطن والدولة
هناك خيط رفيع – بل متين – يربط بين المستوطن الذي يبصق على الراهبات في القدس، وبين الدولة التي تغيبت عن جنازة البابا. كلاهما ينتمي إلى نفس العقلية: عقلية الإنكار والإقصاء. الأساليب قد تختلف، لكنها تعكس توجهًا واحدًا، لا يرى الآخر إلا من منظور القوة والسيطرة.
مقاطعة الجنازة ليست فعلًا هامشيًا، بل هي رسالة سياسية، لا يجب أن تمر مرور الكرام. من حق المسيحيين في هذه البلاد والعالم أن يروا الحقيقة كما هي: إسرائيل لم تغيّب نفسها عبثًا، بل عبّرت عن موقف، ومواقف كهذه تستحق أن تُسجّل في ذاكرة التاريخ.