فيلمٌ وثائقيّ عن غزة يضع الـ BBC تحت المساءلة: "تضليل جوهري" للجمهور

الوثائقي، الذي بُثّ في فبراير 2025، قدّم من خلال الفتى الفلسطيني عبد الله العزّوري (13 عامًا)، روايةً عن الحياة اليومية في غزة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة

1 عرض المعرض
أزمة متفاقمة في قطاع غزة
أزمة متفاقمة في قطاع غزة
أزمة متفاقمة في قطاع غزة
(Flash90)
أعلنت هيئة تنظيم الإعلام البريطانية Ofcom فرض عقوبة على هيئة الإذاعة البريطانية BBC، بعد أن بثّت الأخيرة فيلمًا وثائقيًا عن الأطفال في غزة تبيّن انّه أغفل معلومة أساسية تتعلّق بهوية الراوي، ما اعتُبِر خرقًا جسيمًا لقواعد البثّ البريطانية.
وقالت الهيئة في بيانها إنّ الوثائقي، بعنوان "Gaza: How to Survive a Warzone"، الذي تناول حياة الأطفال في غزة أثناء الحرب، خالف مدوّنة البثّ البريطانية لأنّه "حرم الجمهور من معلومات حاسمة كان من شأنها أن تؤثّر في تقييمهم للرّاوي والمحتوى الذي قدّمه"؛ إذ لم يوضّح أنّ الفتى الذي قدّم الرواية هو نجل نائب وزير الزراعة في حكومة حماس. واعتبرت الهيئة في بيانها الصادر يوم الجمعة، أنّ هذا الإغفال يشكّل "تضليلًا جوهريًّا" للجمهور، قد يقوّض مصداقيّة القناة في تغطية النزاعات الحسّاسة والثقة العالية التي يضعها الجمهور بها كهيئة بثّ عام.
الوثائقي، الذي بُثّ في فبراير 2025، قدّم من خلال الفتى الفلسطيني عبد الله العزّوري (13 عامًا)، روايةً عن الحياة اليومية في غزة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة؛ غير انّ الكشف لاحقًا عن كون والده، أيمن العزّوري، يشغل منصبًا حكوميًّا في إدارة حماس، أثار جدلًا واسعًا وتساؤلات حول مدى التزام الشبكة بمعايير الشفافية والتحقّق التحريري.
ورأت Ofcom أنّ هذا النوع من الإخفاقات يهدّد العلاقة القائمة على الثقة بين المؤسّسات الإعلامية وجمهورها، خصوصًا حين تكون الجهة المعنيّة مؤسّسة عامة تُقدَّم بوصفها مرجعًا في النزاهة الصحافية. وبناءً على القرار، ألزمت الهيئة الشبكةَ البريطانية ببثّ بيان رسمي في وقت الذروة على قناة BBC2 لتوضيح تفاصيل المخالفة ونتائج التحقيق، في إجراءٍ نادر يُعدّ من أشدّ العقوبات التي يمكن فرضها على مؤسسة إعلامية في بريطانيا.
وكانت الـ BBC قد سحبت الوثائقي من منصّتها الإلكترونية (iPlayer) بعد أيّام من بثّه، وقدّمت اعتذارًا رسميًا قبل أن تُقِرّ في تحقيق داخلي بوجود "إخفاق تحريري كبير"، مؤكّدة أنّها لم تُجرِ فحصًا كافيًا للخلفيات السياسية للمشاركين رغم حساسية الموضوع. وكشف التحقيق أنّ شركة الإنتاج المستقلّة "Hoyo Films"، التي تولّت إعداد العمل، كانت على علم بانتماء والد الراوي إلى الحكومة في غزة، وانّ ثلاثة من موظّفيها علموا بهذه المعلومة ولم يشاركوها مع مسؤولي BBC.
من جانبه، وصف المدير العام للشبكة تيم ديفي القضية بأنها "إخفاق مؤسّسي"، مشيرًا إلى أنّ القناة بصدد تشديد الرقابة على الأعمال المنتَجة خارجيًا، بما يشمل التحقّق من خلفيات المشاركين والتدقيق في سير عملية الإنتاج، وإنشاء آلية جديدة تفرض مراجعة إضافية للأفلام المصنّفة "عالية المخاطر التحريرية".
ورغم تأكيد Ofcom أنّ التحقيق لم يجد دليلًا على تحيّز متعمّد في محتوى الوثائقي، شدّدت الهيئة على أنّ الشفافية والدقّة في البرامج الوثائقية ليست "خيارًا تحريريًا" بل شرطًا إلزاميًا، خصوصًا في تغطية قضايا ذات أبعاد سياسية أو إنسانية حسّاسة. وأوضحت، انّ غياب الإفصاح الكامل عن الانتماءات أو العلاقات السياسية للمشاركين يمكن أن يُعتبر خرقًا خطيرًا حتى دون نيّة التضليل.
وتُعدّ هذه المرة الأولى منذ عام 2009 التي تُجبر فيها BBC على بثّ اعتذار رسمي على الهواء، ما يبرز تشدّد هيئة الاتصالات البريطانية في مراقبة التزام المؤسسات الإعلامية العامة بمعايير الدقّة والشفافية. وكانت الشبكة قد واجهت في السنوات الماضية انتقادات مشابهة، أبرزها عام 2021 حين اعتذرت عن الأساليب غير الأخلاقية التي استخدمها الصحفي مارتن بشير للحصول على مقابلته الشهيرة مع الأميرة ديانا عام 1995، وهي قضية خلقت آنذاك أزمة ثقة مشابهة.
وتستعدّ BBC الآن لبثّ البيان الرسمي تنفيذًا للقرار، فيما تعمل على مراجعة داخليّة شاملة لسياساتها التحريرية. ويرى مراقبون أن الحادثة قد تدفع كبرى المؤسسات الإعلامية في الغرب إلى تعزيز آليات التحقق والتدقيق في خلفيات الشخصيات المشاركة في أعمالها الوثائقية، لا سيّما تلك المنتَجة في مناطق النزاع، لتفادي أي إخلال بمعايير المصداقية التي تقوم عليها ثقة الجمهور.