في ظل الحرب الحالية مع إيران، وبعد أن فعّل الجيش منذ أكتوبر الماضي قانون الطوارئ الذي يتيح له تجنيد المعدات والآلات والمركبات المدنية الخاصة المملوكة للأفراد والمصالح التجارية والشركات تحت بند “الاستخدام العسكري المؤقت”، تواصل الجيش مع العديد من المواطنين طالبًا منهم تسليم سياراتهم وشاحناتهم وتندراتهم له. وتحدثنا في وصلة مع مجموعة من المواطنين العرب الذين كشفوا آلية تسليم مركباتهم وتحديد أماكنها، والتعويضات المالية التي حصلوا عليها، وأضرار ذلك على عملهم، وطريقة الاعتراض القانوني على أوامر الجيش، والتبعات القانونية للرفض.
منتصر زحايكة (35 عامًا)، مقاول من بلدة جبل المكبر في القدس، كشف عن استدعاء الجيش المتكرر للشاحنات والآليات الخاصة بهم خلال الحروب المختلفة. “الجيش يتواصل معنا خلال فترات الحرب، ويطلب منا تسليم المعدات الثقيلة – خصوصًا الحديثة منها – مثل: البواجر أو التركات أو التنادر”. يقول زحايكة، ويضيف موضحًا طريقة تتبع الجيش لهذه المركبات: “يعتمد الجيش على نظام التتبع الذي يُعرَف محليًا باسم الأوتوران (نظام مستخدم لتتبع السيارات المسروقة) للتأكد من حالة الآلات وموقعها، وهو ما يجعل من الصعب التهرب من الطلب”.
ويضيف زحايكة: “بمجرد تسليم الآلية للجيش، يتم تعليق التأمين والترخيص عنها، ويتكفل الجيش بتغطية هذه التكاليف، بالإضافة إلى تصليح الأعطال إذا حدثت. وقد سلّمتُ مرةً باجر بقي لديهم نحو أربعة أشهر، وتندر بقي ما بين أربعة إلى خمسة أشهر، وقد أعادوه لاحقًا دون استخدامه”.
وبحسب زحايكة، فإن التسليم يتم عادة في مواقع عسكرية مثل معسكر العفولة، دون تحديد وقت دقيق، حيث يُطلب من المقاول التسليم خلال فترة تتراوح بين عدة أيام إلى أسبوع. وعن التعويضات التي يحصلون عليها، يؤكد زحايكة بأنّها تختلف حسب نوع المركبة أو الآلة، مشيرًا إلى أنه يتقاضى شهريًا حوالي 27 ألف شيكل مقابل الباجر، و14,750 شيكل مقابل التنادر، وهي مبالغ تُعتبر مجزية بالنسبة إليه مقارنة بالعمل اليومي الذي لا يحقق له نفس الربح الصافي.
3 عرض المعرض


شاحنات جندها الجيش لاستخدامه العسكري، الصورة: صفحة سلاح اللوجستيات الإسرائيلي على فيسبوك
(27أ)
ورغم العوائد المالية، فإن عددًا من المقاولين يرفضون التعاون، فيلجأ بعضهم إلى إصدار “شهادة كراج” مزوّرة تُظهر أن الآلة غير صالحة للعمل. غير أن الجيش يستخدم نظام “الأوتوران” لكشف حالة الآلة وموقعها، كما حصل مع أحد المقاولين الذي ادّعى تعطل الباجر، ليكتشفوا لاحقًا أنه يعمل في منطقة الزعيم في القدس، فتمت مصادرة الباجر على الفور.
ويؤكد زحايكة أن الجيش لا يأخذ الآليات من أي شخص، بل فقط من مشغِّلين مرخصين، ويفضِّل الجيش الموديلات الحديثة – ما بعد عام 2020 – من علامات مثل: بوسان وفولفو. أما الوجهات التي تُرسل إليها الآليات فهي جنوب لبنان وقطاع غزة، وليس الضفة الغربية.
ويوضح زحايكة أيضًا أن الآلات تُصلَّح أحيانًا على حساب الجيش، وأحيانًا يُطلب من المقاول الإصلاح في ورش محددة مثل: شركة “ألف ألف غلاس”، ويُعوض لاحقًا عبر إرسال فواتير التصليح إليهم.
ورغم اعتراض البعض على التعاون، إلا أن ما يقارب ثلثي المقاولين، بحسب تقدير زحايكة، يسلّمون معداتهم خوفًا من العقوبات، في ظل غياب القدرة على الاعتراض أو الرفض، “فالأمر ليس خيارًا بل إلزاميًا”، على حد تعبيره.
فبحسب قانون الطوارئ المعمول به في هذه الحالات، فإنّ من لا يلتزم بتسليم مركبته (أو المعدات المطلوبة) للجيش في حالات الطوارئ، أو يقدّم معلومات كاذبة، أو يتعمّد إتلاف هذه المعدّات، يُعتبر مخالفًا للقانون ويُعرّض نفسه لعقوبة جنائية قد تصل إلى السجن أو دفع غرامة.
وإذا أُدين الشخص بتهمة خرق أمر الجيش، وتبيّن أنه لم يسلّم المعدّات في الموعد المطلوب، يمكن للمحكمة أن تلزمه، إلى جانب العقوبة الأساسية، بدفع تعويض لخزينة الدولة يعادل ثلاثة أضعاف المبلغ الذي كان سيحصل عليه مقابل استخدام معدّاته من قبل الجيش.
“مصادرة مركبتي تسبب بأضرار مالية كبيرة لي”
لكن العديد من المواطنين الذين تلقوا أوامر بتسليم مركباتهم أعربوا عن تضررهم جرّاء ذلك. من ضمنهم علي أحمد، وهو شاب مقدسي يبلغ من العمر 32 عامًا، يعمل مستشارًا تنظيميًا وميسّرًا لسيرورات وبرامج علاجية تُقام في الطبيعة لتقديم الدعم لشبان في ضائقة (يواجهون صعوبات نفسية أو اجتماعية).
يمتلك علي تندر جديد يستخدمه بشكل أساسي في تنقلاته اليومية ضمن عمله بين القدس، وحيفا، وبئر السبع، إضافة إلى المناطق الطبيعية والصحراوية. غير أن هذا التندر، الذي لم يمضِ على شرائه سوى عامين، أصبح جزءًا من منظومة الاستدعاءات العسكرية.
“في 21 أكتوبر، استدعاني الجيش الإسرائيلي وطلب التندر، فاضطررت لتسليمه رغم أنني كنت قد أنفقت خمسة آلاف شيكل على صيانته مؤخرًا”، يقول علي، مضيفًا: “تسليم التندر تم في كلية سابير في الجنوب”، وبعد استلامه بقي بحوزتهم حتى 20 أبريل – أي ما يقارب ستة أشهر”.
ورغم إعادة المركبة، إلا أن آثار الأضرار كانت واضحة. “عند استرجاع التندر، لاحظت ضربات في الجهة اليسرى، وتم تغيير الطامبون الأمامي والخلفي من قبل الجيش. لكن هناك قطعة مهمة تضررت لا تتوفر في البلاد، ويجب طلبها من الخارج بتكلفة ألفي شيكل، ولا تعترف بها الدولة كأضرار قابلة للتعويض”، يوضح علي.
يتبع الجيش إجراءات دقيقة عند تسليم واستلام المركبات، من بينها تصوير المركبة، وتوثيق حالتها عبر تطبيق يحتوي على بياناتها بالكامل، وتوقيع وثيقة تثبت حالتها عند التسليم. ويمنح الجيش رقمًا مرجعيًا يُمكن من خلاله طلب تعويض في حال تضررت المركبة.
“لم أتمكن من طلب التعويض، لأن القطعة التي تضررت غير معترف بها في البلاد. كما أنني اضطررت خلال فترة مصادرة التندر إلى استعارة سيارة شقيقي، لكن هذا لم يكن كافيًا، إذ أحتاج فعليًا إلى أربع مركبات لأتمكن من تأدية عملي المعتاد، ما يكلّفني ألف شيكل لكل سيارة يوميًا” يضيف علي.
لكن، لم يتوقف الأمر هنا، فقد تلقى علي عدة اتصالات بعد إعادة التندر تطلب منه تسليمه مرة أخرى. “اتصلوا بي في نهاية أبريل مجددًا، ويستمرون في الاتصال من أرقام شخصية. لم أعد أرد، ولا أستطيع التحاور معهم”، يقول علي، مشيرًا إلى أنه يعرف حالات أخرى مشابهة، بينها شاب من منطقة المثلث، جاءه الجيش إلى منزله بعد تجاهله الاتصالات، وطلبوا منه رمي مفتاح التندر من النافذة.
ورغم محاولاته القانونية للاعتراض، قوبل طلبه الأول بالرفض. ثم عاد وقدّم اعتراضًا آخر في منتصف شهر مارس، تم قبوله لاحقًا، مع منح الجيش مهلة شهر لإعادة المركبة. “لكن هذا لم يمنعهم من المحاولة مرة أخرى” يقول علي.
ويؤكد علي إلى أن رفض تسليم المركبة قد يعرّضه لغرامات مالية كبيرة، بل وحتى لعقوبة سجن قد تصل إلى ثلاث سنوات. وبالمقابل، يدفع الجيش تعويضًا يوميًا عن استخدام المركبات، حيث يتلقى علي 400 شيكل عن كل يوم استُخدم فيه التندر، لكنه لم يتلقَّ الدفعة الأولى إلا بعد أربعة أشهر من بداية التسليم.
هذه المادة مقدّمة بالتعاون مع موقع "وصلة" للاقتصاد والأعمال