كشفت وثائق سرية، تم ضبطها خلال الحرب الأخيرة في غزة، عن وجود تنسيق مكثف استمر لعامين بين قادة حماس، إيران، حزب الله، وقطر، مما يقوض الرواية السابقة بأن هجوم 7 أكتوبر كان نتاج تخطيط محلي في غزة فقط. الوثائق، التي تشمل رسائل، محادثات، واجتماعات عُقدت في بيروت وطهران، تؤكد أن نوايا حماس كانت معروفة ومُدعمة من محور إيران – حزب الله، كما نشرت وسائل اعلام اسرائيلية اليوم.
وتثير هذه الوثائق تساؤلات خطيرة في إسرائيل حول أداء جهاز الموساد: كيف لم يكشف عن هذه التحركات؟ ولماذا لم يتم دق ناقوس الخطر بناءً على المعلومات المتوفرة لديه؟
تفاصيل الوثائق
تُظهر المستندات أن التنسيق بين يحيى السنوار في غزة، إسماعيل هنية في قطر، حسن نصر الله في لبنان، وقادة في الحرس الثوري الإيراني كان قائمًا منذ عامين قبل احداث 7 أوكتوبر. كما توضح أن نية حماس شن حرب شاملة ضد إسرائيل كانت معروفة، مع إبقاء موعد الهجوم سرًا.
بعد انتهاء عملية "حارس الأسوار" عام 2021، تسارعت اللقاءات بين قيادات حماس وقادة إيرانيين كبار أبرزهم إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس، وسعيد عيزدي، المسؤول عن الملف الفلسطيني في الحرس الثوري. في إحدى الرسائل، طلبت قيادة حماس تمويلاً بقيمة 500 مليون دولار خلال عامين لدعم مشروع الهجوم.
تخطيط شامل وقرار استراتيجي
في مايو 2022، التقى إسماعيل هنية بحسن نصر الله في بيروت، حيث أعرب نصر الله عن دعمه لخطة القضاء على إسرائيل، مطالبًا بإبلاغ إيران. لاحقًا، أرسل السنوار رسالة إلى هنية يقترح فيها شن هجوم شامل من عدة جبهات، بما يشمل حماس في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحزب الله في الشمال، بالإضافة إلى دعم من محور القدس بقيادة إيران.
في الاجتماعات مع المرشد الإيراني علي خامنئي، تم الاتفاق على أن تبادر حماس بالهجوم بشكل مستقل، دون مشاركة كاملة من حزب الله، بهدف المحافظة على جاهزية الجبهة الشمالية.
إخفاق الموساد
رغم سلسلة الاجتماعات والتنسيق المكثف، لم ينجح الموساد في كشف الخطة أو تقديم تحذير مبكر. تحقيق داخلي أجراه الموساد أشار إلى أن تفاصيل الخطة لم تُنقل بالكامل إلى طهران أو حزب الله، إلا أن حجم اللقاءات والمراسلات كان يجب أن يثير شكوكًا أقوى داخل أجهزة الاستخبارات.
وثائق خطيرة
وفقًا للوثائق، يتبين أن المرشد الإيراني خامنئي لم يكن يرغب بمشاركة كاملة لحزب الله في الهجوم، وفضّل الخيار الثالث – أن تتولى حماس وحدها تنفيذ العملية. في تلك المرحلة، بدأت التحضيرات، ليس فقط داخل قطاع غزة، بل أيضًا استعدادًا لاحتمال فتح جبهة ثانية لحماس في الشمال.
لاحقًا، أرسل يحيى السنوار رسالة إلى إسماعيل هنية جاء فيها:"ينبغي تشكيل قوة عسكرية تابعة لحماس في لبنان، تتألف من 250 مقاتلًا على الأقل، على أن تستفيد من البنية التحتية العملياتية التي أنشأها حزب الله، بهدف تنفيذ عملية توغل من الأراضي اللبنانية إلى داخل إسرائيل. وقد تم التأكيد على أن هذا الموضوع لا يحتمل أي تأجيل أو تردد، وطُلب تنسيق زيارة عاجلة إلى طهران، نظرًا لأهمية المسألة التي لا يمكن معالجتها في لبنان وحده."
اجتماع حماس مع خامنئي
اجتمعت قيادة حماس مع المرشد الأعلى علي خامنئي قبل نحو ستة أشهر من هجوم 7 أكتوبر. خلال اللقاء، صرح الرئيس الإيراني أن "المقاومة باتت أقوى من أي وقت مضى، بينما إسرائيل أصبحت أضعف من أي وقت مضى"، بينما قال قائد الحرس الثوري حسين سلامي: "نرى بوادر وإمكانيات لإزالة إسرائيل من الخريطة".
في نهاية الاجتماع، أكدت بعثة حماس:"نحن في فلسطين نؤكد جاهزيتنا، وسنكون في الخطوط الأمامية للمعركة القادمة، ولن نتردد في الدفاع عن شعبنا، وعن القدس والمسجد الأقصى."
كما قال نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، صالح العاروري:"حرب شاملة باتت حتمية. نحن نرغب بها – محور المقاومة والفلسطينيون جميعًا نرغبون بها. هذا ليس مجرد تصريح للإعلام، بل مناقشات تُجرى خلف أبواب مغلقة، ونحن مقتنعون بقدرتنا على تحقيقها."
تحضيرات إضافية
وبحسب التحقيق العسكري الإسرائيلي حول الإخفاق الأمني، فقد تزامنت هذه اللقاءات مع سلسلة اجتماعات بين قيادة حماس وحسن نصر الله، تناولت خطط هجوم محتملة.
كما كشفت وثيقة إضافية نُشرت في صحيفة "نيويورك تايمز" عن اجتماع عقد في بيروت بين سعيد عيزدي، مسؤول الملف الفلسطيني في الحرس الثوري، وخليل الحية، نائب يحيى السنوار، حيث طلب الحية دعماً عمليًا مباشرًا، قائلاً:"هاجموا مواقع حساسة داخل إسرائيل في اللحظة التي نشن فيها هجومًا على غلاف غزة."
التمويل القطري المثير للجدل
رغم تحذيرات الشاباك منذ عام 2019 بشأن استخدام الأموال القطرية لدعم الجناح العسكري لحماس، استمر الموساد في دعم سياسة التهدئة وتمويل القطاع عبر قطر. لاحقًا، ومع تصاعد الشكوك، حاول رؤساء الموساد يوسي كوهين وخلفه دادي برنيا وقف التمويل، إلا أن الأوان كان قد فات على ما يبدو.
خلاصة
تكشف الوثائق أن تحالف "محور المقاومة" لم يكن مجرد دعم معنوي لحماس، بل كان جزءًا من مشروع عسكري متكامل. وبينما كان الموساد والجيش يركزان على التهديد الإيراني النووي، تغاضت الأجهزة عن الخطر الداهم الذي كان يتشكل في قطاع غزة، في واحدة من أكبر الإخفاقات الاستخباراتية في تاريخ إسرائيل.