من كان يتخيّل أن حكاية "الفتاة البريئة والأقزام السبعة"، ستتحوّل إلى واحدة من أكثر القضايا إثارةً للجدل، وستفتح الباب أمام تساؤلات حول الهوية، التمثيل، التراث الفني، بل وحتى المواقف السياسية للممثلات أنفسهن؟
النسخة الجديدة من فيلم "سنو وايت"، التي من المرتقب عرضُها في 21 من مارس الحالي، والتي كان يُفترض أن تُعيد إحياء واحدة من أكثر الحكايات الكلاسيكية شهرةً، تحوّلت إلى أحد أكثر إنتاجات ديزني إثارةً للجدل والانقسام هذا العام.
فما القصّة؟
في النسخة الحيّة من الفيلم، قامت ديزني بإجراء تعديلات جذرية وجوهريّة على القصة الأصلية. لم تعُد "سنو وايت" فتاة أوروبية بيضاء البشرة بشفاه حمراء كـ “الثلج"، بل تمّ اختيار الممثلة رايتشل زيغلر من أصول كولومبية لاتينية لأداء الدور. البعض رحّب بالخطوة ورأى بها نوعًا من التحديث، بينما رأى فيها آخرون تشويهًا لهوية الشخصية وجوهر القصة الأصلية، وإعادة كتابة غير مبرّرة للتاريخ الفنّي.
ولم تقتصر التعديلات على الشكل، بل طالت المضمون أيضًا: القصة الرومانسية التقليدية أُعيدت صياغتها بالكامل. سنو وايت لم تعُد تلك الفتاة الحالمة التي تنتظر الأمير، بل باتت فتاة قوية مستقلّة "لا تحتاج من يُنقذها"، كما قالت زيجلر في مقابلات سابقة. أمّا مخرج الفيلم، مارك ويب، فأوضح أنّ الهدف كان "إعادة تصوّر معاصرة لعملٍ قديم، يعكس العالم الذي نعيش فيه".
ومن أبرز التغييرات كانت استبدال الأقزام السبعة التقليديين، بشخصيات "سحريّة" مُصمّمة بالحاسوب. من جهتها برّرت ديزني هذه الخطوة بأنّها محاولة لتفادي التنميط والإيحاءات المرتبطة بالأشخاص قصيري القامة، إلّا انّ كثيرين رأوا بالخطوة طمسًا للمعالم الأصلية للفيلم، بل وحرمانًا لقصيري القامة من فرص لعمل حقيقيّة؛ ذلك، في محاولة مبالغ بها لمجاراة ثقافة الـ"تصحيح السياسي" (Political Correctness).
والنتيجة؟ فيلم يُفترض أن يكون خفيفًا وبريئًا، تحوّل إلى ساحة انقسام ثقافي واجتماعي.
وإن لم يكن كل ذلك كافيًا، فحتى السياسة لم تسلم من هذا الجدل.
بطلة الفيلم رايتشل زيغلر، عُرِفت بتصريحاتها المؤيدة لفلسطين والتي أثارت ردود فعل غاضبة، خصوصًا بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، حين قالت: "أتمنى ألا يعرف ناخبو ترامب ولا ترامب نفسه، السلام أبدًا". في المقابل، تؤدي غال غادوت، الممثلة الإسرائيلية المعروفة بدعمها العلني لإسرائيل ، دور الملكة الشريرة. هذا التناقض بين الممثلتين أضفى بُعدًا سياسيًا جديدًا على النقاش الثقافي، وأدى إلى دعوات لمقاطعته من الجهتين.
في نهاية المطاف، يبدو أن "سنو وايت" لم يعُد مجرّد فيلم، بل مرآة لزمنٍ تتداخل فيه السياسة والفن والهويّة في كل مشهد. وبين من يتّهم ديزني بإقحام أجندات سياسية واجتماعية، ومن يرى في ذلك تطوّرًا طبيعيًا للفن، يبقى السؤال الأهم: هل ما زالت ديزني تروي القصص للأطفال، أم أصبحت تُعيد صياغتها لتخدم قضايا الكبار؟