زيارة الشرع إلى واشنطن تنهي عقودا من التوتر والقطيعة بالعلاقات بين البلدين

ترامب يستقبل الرئيس السوري أحمد الشرع في زيارة تاريخية إلى واشنطن: بحث رفع العقوبات وتعزيز التعاون الأمني 

1 عرض المعرض
احد الشرع يتلقي ترامب في واشنطن
احد الشرع يتلقي ترامب في واشنطن
احد الشرع يتلقي ترامب في واشنطن
(وفق البند 27 أ لقانون حقوق النشر 2007)
استقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، يوم الاثنين، نظيره السوري أحمد الشرع، في أول زيارة رسمية لرئيس سوري إلى واشنطن منذ الإطاحة ببشار الأسد أواخر العام الماضي. وتأتي الزيارة في إطار مساعٍ جديدة لإعادة صياغة العلاقات بين البلدين بعد سنوات من العداء والعقوبات.
وبحسب ما رشح عن اللقاء، فقد بحث الجانبان ملف العقوبات الأمريكية على سوريا، خصوصاً تلك المفروضة بموجب قانون قيصر لعام 2019، حيث أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عقب الاجتماع عن تمديد تعليق جزئي للعقوبات لمدة 180 يوماً، على أن يخضع رفعها الكامل لموافقة الكونغرس.
وتُوّجت الزيارة بسلسلة من اللقاءات الرسمية وغير المعلنة داخل البيت الأبيض، وأشارت مصادر مطلعة إلى أن ترامب وصف الشرع بأنه "قائد قوي" وأكد التزام بلاده "بدعم استقرار سوريا ونجاحها في المرحلة المقبلة".
الشرع، الذي تولى الحكم في ديسمبر الماضي بعد انهيار النظام السابق، كان قد قاد تحالفاً من فصائل المعارضة المسلحة التي تمكنت من السيطرة على العاصمة دمشق وإنهاء حكم الأسد. ومنذ تسلمه السلطة، يسعى الرئيس الجديد إلى تقديم نفسه كزعيم معتدل يسعى لتوحيد السوريين وإعادة بناء الدولة بعد أكثر من 14 عاماً من الحرب.

تركيز على المرحلة الانتقالية لسوريا

وركزت المباحثات بين ترامب والشرع على المرحلة الانتقالية في سوريا، وملف الأمن الإقليمي، وسط حديث عن دور أمريكي متزايد في الوساطة بين سوريا وإسرائيل بشأن اتفاقات أمنية محتملة. كما ناقش الطرفان التعاون في مكافحة الإرهاب، خاصة بعد إعلان دمشق عن إحباط محاولتين لاغتيال الشرع خطط لهما تنظيم "داعش" خلال الأشهر الأخيرة.
وكانت الولايات المتحدة قد رفعت مؤخراً اسم الشرع من قائمة "الإرهابيين العالميين"، بعد إعلان رسمي من مجلس الأمن الدولي بإلغاء عقوبات سابقة فرضت عليه وعلى وزير الداخلية السوري أنس خطاب، في خطوة اعتُبرت تمهيداً لمرحلة جديدة من الانفتاح الدبلوماسي.

"علاقاتي بهيئة تحرير الشام باتت من الماضي"

من جهته، أكد الشرع في مقابلة مع قناة أمريكية أن علاقته السابقة بجماعات متشددة "باتت من الماضي"، مشيراً إلى أن بلاده اليوم تسعى لتكون "شريكاً استراتيجياً لواشنطن، لا تهديداً لها".
وتزامنت الزيارة مع إعلان وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى عن توقيع اتفاق تعاون سياسي وأمني مع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، في مؤشر على التحول في السياسة الخارجية السورية بعيداً عن إيران وروسيا باتجاه تركيا، ودول الخليج، والولايات المتحدة.
ورغم الأجواء الإيجابية التي أحاطت بالاجتماع، لم تخلُ الزيارة من جدل داخلي في واشنطن، حيث انتقدت شخصيات سياسية أمريكية تخصيص الرئيس ترامب وقتاً للملف السوري على حساب القضايا الداخلية. إلا أن ترامب ردّ قائلاً إن "موقع الرئاسة يتطلب التعامل مع قضايا العالم، لا العزلة عنه".

العلاقات السورية – الأمريكية: عقود من التوتر والتقاطع

تتسم العلاقة بين سوريا والولايات المتحدة منذ منتصف القرن العشرين بالتقلب والشد والجذب، إذ تراوحت بين فتراتٍ محدودة من التواصل الدبلوماسي والتعاون الأمني، وبين مراحل طويلة من القطيعة والعقوبات والتوتر السياسي.
بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1944، لكنها دخلت مرحلة التوتر بعد استقلال سوريا بفترة قصيرة، بسبب تقارب دمشق مع الاتحاد السوفييتي ورفضها الانضمام إلى أحلافٍ غربية مثل حلف بغداد عام 1955.
وفي ستينيات القرن الماضي، ومع صعود حزب البعث إلى السلطة عام 1963، ازداد النفور الأمريكي من السياسات السورية التي اتسمت بمعاداة الغرب وإسرائيل ودعم الحركات القومية.

حرب 1973 وبداية الانفتاح المحدود

شهدت العلاقات تحسناً نسبياً بعد حرب أكتوبر 1973، عندما انخرطت واشنطن في جهود تسوية النزاع العربي الإسرائيلي، خصوصاً بعد اتفاقية فصل القوات بين سوريا وإسرائيل عام 1974 برعاية أمريكية. إلا أن التقارب بقي هشاً بسبب تمسك دمشق بموقفها الرافض للتسوية المنفردة التي عقدتها مصر مع إسرائيل عام 1979.

الثمانينيات: مواجهة مفتوحة

دخلت العلاقات مرحلة عداء حاد خلال الثمانينيات، إذ اتهمت واشنطن سوريا بدعم الإرهاب وبالضلوع في عمليات ضد المصالح الأمريكية في لبنان، منها تفجير السفارة الأمريكية في بيروت عام 1983. ورداً على ذلك، أدرجت الولايات المتحدة سوريا عام 1979 على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو تصنيف ما زال قائماً حتى اليوم.

التسعينيات: تعاون حذر في ظل النظام الدولي الجديد

بعد حرب الخليج عام 1991، شاركت سوريا في التحالف الدولي ضد العراق، ما أدى إلى انفراجة محدودة في علاقاتها مع واشنطن. كما شاركت في مؤتمر مدريد للسلام في العام نفسه، لكن المحادثات السورية–الإسرائيلية بوساطة أمريكية لم تُفضِ إلى اتفاق نهائي.

الألفية الجديدة: من التعاون الأمني إلى القطيعة

بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، جرى تعاون استخباراتي محدود بين البلدين في إطار مكافحة الإرهاب، لكنه سرعان ما انهار بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث اتهمت واشنطن دمشق بدعم المسلحين وتسهيل عبورهم إلى العراق.
وفي عام 2005، زاد التوتر مع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، إذ حمّلت الولايات المتحدة النظام السوري المسؤولية غير المباشرة عن الاغتيال، لتفرض مزيداً من العقوبات السياسية والاقتصادية.

منذ 2011: الحرب السورية والعقوبات القصوى

مع اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، دعمت واشنطن قوى المعارضة، بينما صنّفت الرئيس بشار الأسد ونظامه كـ"فاقدي الشرعية".
كما فرضت الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات الواسعة على الحكومة السورية وشخصيات مقرّبة من النظام، كان آخرها "قانون قيصر" عام 2019 الذي استهدف قطاعات الدولة والجيش والاقتصاد.
ورغم بقاء قنوات تواصل محدودة حول ملفات مثل مكافحة تنظيم داعش والمساعدات الإنسانية، فإن العلاقات لا تزال في أدنى مستوياتها منذ عقود.