عام 2025 نقطة تحول حاسمة في صناعة السينما بين التقنية والهوية الفنية

تغييرات جذرية في طرق الإنتاج مع بروز الذكاء الاصطناعي ومنصات العرض الرقمية تفرض تحديات جديدة على السينما التقليدية 

1 عرض المعرض
The Old Guard 2
The Old Guard 2
The Old Guard 2
(نتفليكس)
شكل عام 2025 محطة مفصلية في مسار السينما، حيث يمكن اعتباره نقطة فاصلة بين ما كان عليه المشهد السينمائي سابقًا وما أصبح عليه الآن، تمامًا كما حدث مع جائحة «كورونا» قبل خمس سنوات التي فرضت تحديات كبيرة على القطاع.
لكن هذه المرة، لا يتعلق الأمر بتحدي مؤقت، بل ببداية عصر جديد تتبلور ملامحه منذ سنوات، وتم تجسيده هذا العام كواقع ثابت يؤثر في جميع أركان صناعة السينما، لا سيما من خلال اندماج التقنيات الحديثة في عمق عمليات الإنتاج.
حتى وقت قريب، كانت صناعة الأفلام تعتمد على الأساليب التقليدية، حيث تبدأ الموافقة على المشروع ثم توظيف مختلف الإمكانيات الفنية والتقنية لخدمته. وكان استخدام تقنيات الكمبيوتر جرافيكس محصورًا في مشاهد معينة صعبة التنفيذ عمليًا، مثل مشاهد المطاردات الشهيرة في أفلام كلاسيكية مثل «بولِت» (1968)، و«ذا فرنش كونكشن» (1971)، و«رونِن» (1998)، والتي كانت تتطلب جهودًا بشرية كبيرة ومخاطر حقيقية.
اليوم، تغير المشهد بالكامل، إذ بات بالإمكان تصوير ممثل وكأنه يجري في شوارع باريس بينما هو يقف داخل استوديو مزود بشاشة خضراء. ويكفي مقارنة هذه الأفلام الكلاسيكية مع سلسلة «Fast and Furious» الحديثة لتدرك مدى هذا التحول.
ولا يتوقف الأمر هنا، إذ شهد عام 2025 قفزة نوعية في اعتماد الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح بالإمكان تنفيذ الفيلم بالكامل – من كتابة السيناريو إلى الإخراج والتصوير والمونتاج وأداء الممثلين – بواسطة أنظمة غير بشرية.
في ذات الوقت، عبّر المخرج غييرمو دل تورو، خلال استلامه جائزته عن فيلمه الجديد «فرانكنشتاين»، عن فخره بأن فيلمه "خالٍ تمامًا من الذكاء الاصطناعي"، مؤكدًا أهمية العنصر الإنساني في صناعة السينما.
غير أن الحافز الأساسي وراء التوجه إلى الذكاء الاصطناعي يبقى تقليص التكاليف الضخمة للأفلام التجارية، إذ يمكن لهذه التقنية تقليص المصاريف إلى النصف تقريبًا، مع بقاء رواتب البشر العاملين الجزء الأكبر من التكاليف.
هذا يتماشى مع استعداد جمهور واسع لقبول الأفلام التي تقدم جرعات مكثفة من الأكشن والخيال، دون أن يهتموا كثيرًا ما إذا كانت النتائج ناتجة عن عمل بشري أو تقني آلي.
يدافع مؤيدو الذكاء الاصطناعي عن دوره في تطوير الجوانب البصرية وتحسين المؤثرات الخاصة، لكن هذا التطور محدود مقارنة بروائع السينما التي صنعها فنانون مبدعون مثل أفلام «ووترلو»، و«بوني وكلايد»، و«لورنس العرب»، و«صنست بوليفارد»، و«القيامة الآن».
فالذكاء الاصطناعي في جوهره يطلب من صانعي الأفلام ألا يفكروا، بل يترك لهم "التفكير بالنيابة عنهم"، وهو الأمر الذي يشبه ما حدث مع الهواتف الذكية وخرائط «غوغل» التي استبدلت الجهد الذهني بالاعتماد الكامل على التقنية.
ولا يعمل الذكاء الاصطناعي في هذا المسار منفردًا، إذ يمثل عام 2025 امتدادًا حادًا لما بدأ مع صعود منصات العرض الرقمية المنزلية التي تنافس حضور صالات السينما، ليس بهدف راحة المشاهد أو تقليل نفقاته، بل بهدف استحواذ شهري على أمواله، حيث يصبح المشاهد مجرد رقم في قاعدة بيانات مستهدفة من قبل هذه الشركات، التي لا تبالي بتقديم أفلام فنية جادة ما لم تكن مطلوبة من الجمهور.
وفي هذا السياق، شهدنا تحرك «نتفليكس» الأخير للاستحواذ على «وورنر»، في خطوة لتعزيز هيمنتها، بينما تدخلت «باراماونت» لمحاولة كسر هذا الاحتكار وإعادة التوازن إلى سوق المنافسة.
غير أن السينما التقليدية، رغم هذه التحديات، لم تُهزم بعد، ولا تزال تجد ملاذها في المهرجانات الفنية ومواقف المخرجين الذين يدركون أهمية الصمود في وجه هذه التيارات التقنية المتسارعة.