يشهد العام الأكاديمي الجديد تراجعًا ملحوظًا في عدد الطلاب العرب الملتحقين بالمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمن. ويعزو الخبراء هذا التراجع إلى عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية معقدة، أبرزها الحرب في غزة، وتقليص البرامج الحكومية التي تهدف إلى دمج الطلاب العرب في التعليم العالي، إلى جانب تصاعد مظاهر العنصرية والتحريض داخل الجامعات.
بروفيسور رياض إغبارية: الحرب والعنصرية والتمييز المالي وراء تراجع التحاق الطلاب العرب بالجامعات
غرفة الأخبار مع عفاف شيني
14:04
الحرب وتراجع الاستقرار في الجنوب
في حديث خاص لـ"راديو الناس"، أوضح البروفيسور رياض إغبارية، عميد كلية الصيدلة في جامعة بئر السبع والمستشار السابق لشؤون الطلاب العرب في الجامعة، أن الحرب المستمرة منذ عامين أدّت إلى عزوف عدد كبير من الطلاب عن الدراسة في الجامعات الواقعة في الجنوب، وعلى رأسها جامعة بئر السبع، قائلاً:“مدينة بئر السبع كانت تحت القصف والإنذارات لفترات طويلة، وهذا جعل الكثير من الطلاب من الشمال يفضّلون الانتقال إلى جامعات حيفا أو تل أبيب أو القدس. من بين نحو 2500 طالب عربي، حوالي 2000 منهم من الشمال، فاختاروا بطبيعة الحال أماكن أقرب وأكثر أمانًا.”
إلغاء البرامج الداعمة للطلاب العرب
وأشار إغبارية إلى أن إلغاء أو تقليص البرامج المخصّصة لدمج الطلاب العرب في الأكاديميا كان له تأثير مباشر على نسب التسجيل، موضحًا أن هذه البرامج كانت تمنح منحًا مالية ودعمًا أكاديميًا ومرافقة مهنية للطلاب الجدد.
“في ظل الحكومة الحالية، شهدنا تراجعًا واضحًا في الاهتمام بالتعليم العالي في المجتمع العربي، وهو ما انعكس على الفرص المتاحة أمام الطلاب. حتى داخل أروقة الكنيست، رأينا تحريضًا علنيًا على طلاب الطب العرب، مما يخلق مناخًا من الخوف والتهميش.”
ميزانية التعليم تتقلّص لصالح الأمن
وفي سياق متصل، صادقت الحكومة مؤخرًا على تقليص بقيمة 40 مليون شيكل من ميزانية التعليم العالي لصالح وزارة الأمن القومي برئاسة إيتمار بن غفير. ويرى إغبارية أن هذا القرار يعكس بوضوح ترتيب الأولويات في الحكومة الحالية:“الجامعات تُموّل بشكل أساسي من ميزانيات الدولة، لا من الأقساط التي يدفعها الطلاب. ومع كل تقليص إضافي، تتأثر البنية التحتية، والمنح الدراسية، والتوظيف الأكاديمي. هذه السياسات تُضعف جودة التعليم وتحدّ من إمكانية تطوير الجامعات.”
الوضع الاقتصادي الصعب والميل نحو الكليات المحلية
كما تحدّث البروفيسور إغبارية عن تأثير الوضع الاقتصادي الصعب داخل المجتمع العربي، حيث باتت العديد من العائلات تفضّل الكليات الأكاديمية المحلية على الجامعات البعيدة لتقليل التكاليف.
“الكثير من الطلاب باتوا يختارون الدراسة في كليات قريبة من مناطق سكنهم، مثل سخنين أو كريات آتا، بدلاً من الانتقال إلى جامعات مركزية تتطلب السكن والمواصلات والنفقات المرتفعة.”
العنصرية داخل الحرم الجامعي
ولم يُخفِ البروفيسور إغبارية قلقه من تصاعد العنصرية في الجامعات الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر، مؤكدًا أن الكراهية تجاه الطلاب والمحاضرين العرب أصبحت أكثر وضوحًا وصراحة:"العنصرية والكراهية موجودتان في كل الجامعات، سواء تجاه الطلاب أو المحاضرين. بعض الأساتذة العرب يواجهون تمييزًا مباشرًا من زملائهم أو من الإدارات، وحتى التعامل معي شخصيًا تغيّر قبل وبعد الحرب. ما يحدث خطير جدًا، خاصة للطلاب الجدد الذين يدخلون بيئة عدائية وغير آمنة نفسيًا".
دعوة لتأسيس جامعة عربية مستقلة
واقترح إغبارية أن تكون هذه الأزمة حافزًا لإطلاق مشروع جامعة عربية في الداخل الفلسطيني، قائلاً:"لدينا أكثر من 350 بروفيسورًا عربيًا وآلاف الحاصلين على الدكتوراه، ولدينا طلاب يدرسون في الخارج بعدد يفوق 20 ألفًا. هذه المقومات كافية لتأسيس جامعة عربية متميزة تعكس هوية مجتمعنا وتخدم احتياجاته الأكاديمية والثقافية".
رسالة إلى الطلاب: لا تستسلموا
وفي ختام حديثه، وجّه البروفيسور إغبارية رسالة دعم وتشجيع للطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية:"أي طالب يواجه صعوبة — تعليمية، مالية أو اجتماعية — عليه التوجّه إلى المحاضرين العرب في جامعته. هناك مكاتب دعم مخصصة، وهناك من يمكنه المساعدة. الأهم هو أن نواجه هذا الواقع بالعقل والحكمة، وأن نكون واعين لما ننشره ونتحدث به في الأطر الجامعية".
يُظهر هذا التراجع في عدد الطلاب العرب انعكاسًا مباشرًا لتقاطع السياسة والأمن والاقتصاد في إسرائيل، ويُبرز في الوقت نفسه هشاشة مكانة الطالب العربي في منظومة التعليم العالي.
لكن رغم التحديات، يرى الأكاديميون أن الأزمة قد تفتح الباب أمام تفكير استراتيجي جديد يعيد صياغة العلاقة بين المجتمع العربي ومؤسسات التعليم الأكاديمي، وربما يضع حجر الأساس لأول جامعة عربية في الداخل.


