كشفت وزارة العدل الأميركية، مساء الجمعة، آلاف الوثائق المرتبطة بتحقيقاتها السابقة حول جيفري إبستين، رجل الأعمال الراحل الذي أُدين بجرائم جنسية وكان على صلة بعشرات الشخصيات السياسية والمشهورة. ورغم الوعود بـ"الشفافية الكاملة"، إلا أن الوثائق تضمنت صفحات كثيرة مطموسة (محجوبة بالكامل أو جزئيًا)، ما أثار انتقادات حادة من مشرعين وناجيات، وطرح تساؤلات جديدة حول من تُحاول السلطات حمايته.
خلفية القضية: من هو جيفري إبستين؟
إبستين هو ملياردير أميركي كانت له شبكة علاقات مع نخبة من السياسيين والمشاهير، واعتُقل في 2019 بتهم تتعلق بالإتجار الجنسي بالقاصرات. لكنه توفي في زنزانته قبل محاكمته، فيما اعتبرته السلطات "انتحارًا". أثارت وفاته موجة من نظريات المؤامرة والاتهامات بأن هناك من سعى لإسكاته لحماية أسماء كبيرة مرتبطة به.
جيفري إبستينالصورة من الملكية العامةلماذا أُفرج عن الوثائق الآن؟
بسبب ضغط من الكونغرس وتمرير قانون خاص يعرف باسم "قانون الشفافية في ملفات إبستين"، أُجبرت وزارة العدل على نشر هذه الوثائق خلال 30 يومًا، أي بحلول 19 كانون الأول 2025. ورغم أن الرئيس دونالد ترامب وقّع على القانون، إلا أن إدارته واجهت اتهامات بمحاولة تأخير أو التلاعب بعملية النشر.
صفحات محجوبة وغضب سياسي
تضم الوثائق آلاف الصور والملفات من تحقيقات أجريت في 2005 و2008 و2019، وتتعلق بشهادات ضحايا، وصور من منازل إبستين، وسجلات مالية، ومراسلات، وغيرها. لكن جزءًا كبيرًا من هذه الوثائق تعرّض لما وصفه سياسيون بـ"الطمس المفرط"، أي إخفاء الأسماء أو الوجوه أو حتى صفحات كاملة، أحيانًا دون مبرر قانوني واضح.
وصرّح أعضاء في الكونغرس، مثل تشاك شومر وآدم شيف ورو خانا، بأن ما حدث "خرق صريح للقانون"، متهمين وزارة العدل بحماية شخصيات نافذة على حساب الشفافية وحقوق الناجيات.
كلينتون حاضر، وترامب شبه غائب
من أبرز ما تضمّنته الوثائق، صور للرئيس الأسبق بيل كلينتون في مسبح أو جاكوزي برفقة جيزلين ماكسويل (المدانة لاحقًا في قضية إبستين) وامرأة أخرى تم إخفاء هويتها، وقد أكد مسؤول في وزارة العدل أنها من ضحايا إبستين. كلينتون رد عبر متحدث باسمه بأن "هذه الصور لا تعني شيئًا"، مؤكدًا أنه "قطع علاقته بإبستين قبل انكشاف جرائمه".
في المقابل، لم يظهر اسم ترامب كثيرًا في الوثائق، رغم صداقته السابقة مع إبستين، ما أثار انتقادات من خصومه الذين يرون أن الوثائق نُسّقت سياسيًا لحمايته.
أصدقاء إبستين المشاهير... بالأسماء والصور
من بين أبرز ما ضمّته الوثائق صور لمشاهير عالميين كانوا على صلة بإبستين، من بينهم النجم مايكل جاكسون والمغني ميك جاغر، والمغنية ديانا روس، والممثل كيفن سبايسي، والإعلامي الشهير والتر كرونكايت. وتظهر الصور هؤلاء في مناسبات اجتماعية خاصة أو ضمن رحلات خاصة على طائرات إبستين أو في منازله الفخمة.
في صورة لافتة، يظهر كلينتون مبتسمًا في جاكوزي إلى جانب امرأة طُمست ملامح وجهها، وقالت وزارة العدل إنها إحدى ضحايا إبستين. في صورة أخرى، يظهر جاكسون بجانب كلينتون وديانا روس، وفي خلفية الصورة لوحة عارية، ما زاد من الجدل حول السياق الذي التُقطت فيه.
الترف، الجنس، والسلطة: صور من عالم إبستين المظلم
الوثائق تتضمن أيضًا صورًا من داخل قصور إبستين، من نيويورك إلى الجزيرة الخاصة في الكاريبي، حيث تُظهر الأثاث الفاخر، التماثيل الغريبة، ومجموعات ضخمة من الأقراص الصلبة وأشرطة الفيديو... بعضها طُمست عناوينه، وبعضها كُتب عليه تواريخ تعود لسنوات نشاطه المشبوهة.
كما تضمنت ملفات من الـFBI تسجيلات صوتية وأشرطة مراقبة، يعتقد أنها وثّقت زيارات أو لقاءات حسّاسة، إلا أن معظمها لم يُعرض بعد، مما يزيد من التكهنات حول محتواها.
ترامب و"الفتاة ذات الـ14 عامًا"... وثيقة تربك الرواية الرسمية
في فقرة أثارت جدلًا واسعًا، تحدّثت إحدى الوثائق القانونية عن واقعة تعود إلى التسعينات، حيث قام إبستين بتعريف فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا على دونالد ترامب في نادي "مار ألاغو"، وقال له مازحًا: "شو رأيك بهي؟"، فابتسم ترامب وهزّ رأسه، بحسب الشكوى. رغم أن الوثيقة لا تتهم ترامب بأي اعتداء، إلا أن الواقعة أعادت فتح النقاش حول طبيعة علاقته بإبستين في تلك الفترة.
دفتر الهاتف السري والرسائل المثيرة
من بين المواد اللافتة أيضًا، دفتر هاتف شخصي لإبستين يحتوي على أسماء شخصيات بارزة من عالم السياسة والإعلام والفن، إضافة إلى عشرات الرسائل التي كتبها مساعدوه بشأن "توفر فتيات" وطلبات محددة من "نوع البشرة" المفضّل، كما أظهرت وثائق أن إبستين كان يفضّل "فتيات صغيرات، لكن غير سمراوات"، بحسب شهادة أحد الشهود.
رسالة كلينتون في عيد ميلاد إبستين: "النساء والمال... هذا أنت"
ومن الوثائق المثيرة، دفتر "عيد ميلاد إبستين الـ50"، الذي أعدّته جيزلين ماكسويل ويضم رسائل من شخصيات بارزة، منها بطاقة تحمل توقيع دونالد ترامب ، وأخرى باسم بيل كلينتون، تقول: "النساء والمال، باختصار: إبستين". رغم أن المتحدثين باسم الطرفين نفوا أي معرفة مسبقة بالجرائم، إلا أن الوثائق أعادت النقاش إلى الواجهة.
أين الحقيقة؟ وإلى أين تتجه القضية؟
رغم أن الوثائق لا تكشف عن "مفاجآت مدوية"، فإنها تقدم لمحات جديدة عن حجم التواطؤ والتغاضي الذي حصل لعقود، خاصة من قبل مؤسسات تنفيذ القانون التي كانت تملك دلائل مبكرة على جرائم إبستين ولم تتحرك.
وزارة العدل أكدت أنها ستنشر دفعات إضافية من الملفات في الأسابيع المقبلة، وأن أكثر من 200 محامٍ يراجعون الوثائق، مع مراعاة حماية الضحايا وعدم إعاقة التحقيقات المستمرة.