وثائق سرّية تكشف عن تنسيقٍ استخباراتيٍّ وعسكريٍّ بين إسرائيل ودولٍ عربيةٍ يجري في الخفاء

تُظهر الوثائق أن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى قاموا في مايو/أيار 2024 برحلة جوية مباشرة وسرية إلى قاعدة عسكرية في قطر، حيث عُقد اجتماع مغلق جمعهم مع نظراء عرب، برعاية القيادة المركزية الأميركية . 

كشفت وثائق أميركية مسرّبة نشرتها صحيفة واشنطن بوست عن عمق التعاون الأمني والعسكري بين إسرائيل وعدد من الدول العربية البارزة، وذلك في أوج الحرب على قطاع غزة. وتُظهر التسريبات أن التنسيق لم يتوقف رغم الإدانات العلنية الواسعة من العالم العربي، بل اتسع نطاقه ليشمل دولًا مثل قطر والسعودية ومصر والأردن والبحرين والإمارات، في وقت تصف فيه تلك الدول علنًا العمليات الإسرائيلية في غزة بأنها “جرائم حرب” و“إبادة جماعية”.
لقاءات سرية في الدوحة وتنسيق دفاعي إقليمي تُظهر الوثائق أن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى قاموا في مايو/أيار 2024 برحلة جوية مباشرة وسرية إلى قاعدة عسكرية في قطر، حيث عُقد اجتماع مغلق جمعهم مع نظراء عرب، برعاية القيادة المركزية الأميركية . الاجتماع تناول ملفات توسيع شبكة الدفاع الجوي الإقليمي، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتدريب على الحرب تحت الأرض — وهي مجال تُعتبر فيه إسرائيل من أكثر الدول خبرة نظرًا لمواجهتها تهديد الأنفاق في غزة ولبنان. وبحسب الوثائق، جرت الاجتماعات والتدريبات المشتركة في قواعد داخل البحرين والأردن ومصر، إضافة إلى قاعدة العديد الأميركية في قطر. ويشير محللون إلى أن هذه اللقاءات جاءت في إطار جهود واشنطن لبناء منظومة دفاع إقليمي ضد التهديد الإيراني، بمشاركة إسرائيل وشركائها العرب.
الدوحة... بين المواقف العلنية والتنسيق الخفي على الرغم من الخطاب العلني الحاد الذي تتبناه الدوحة ضد العمليات الإسرائيلية في غزة، تكشف التسريبات عن علاقات أمنية غير معلنة بين الطرفين. مصادر أميركية أكدت أن قطر تُعد حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في المنطقة، ما يجعلها قناة تواصل غير مباشرة بين إسرائيل وبعض الدول العربية والإسلامية في الملفات الأمنية الحساسة. وتشير الوثائق إلى أن الجانب الإسرائيلي حرص على إبقاء تلك اللقاءات في سرية تامة، مع تعليمات صارمة بعدم التصوير أو الإفصاح عن أي تفاصيل للإعلام، بل وحتى الالتزام بحساسيات ثقافية ودينية، منها قواعد الطعام الحلال والالتزام بالطعام لدى اليهود"כשר".
تعاون أمني بلا تحالف رسمي رغم هذا التنسيق الواسع، لا تشير الوثائق إلى تأسيس تحالف عسكري رسمي بين إسرائيل وهذه الدول، بل إلى شبكة من التفاهمات المحدودة في إطار التنسيق الدفاعي والمعلوماتي. وتتضمن تلك الشراكة ربط أنظمة الإنذار المبكر، واستخدام قنوات اتصال مشفرة بين الجيوش، وخططًا لإنشاء مركز إقليمي للأمن السيبراني وتبادل البيانات الاستخباراتية.
حادثة الدوحة وتوتر خفي أحد فصول التوتر البارزة وقع عقب هجوم إسرائيلي في العاصمة القطرية الدوحة نُفذ من دون تنسيق مسبق مع قطر أو الولايات المتحدة. الحادثة، وفق مسؤولين أميركيين سابقين، أثارت غضبًا كبيرًا في الخليج، ورسّخت قناعة بأن إسرائيل “تتصرف منفردة حتى عندما يمسّ الأمر حلفاء واشنطن”. رغم ذلك، لم تُقطع قنوات التعاون، إذ تعتمد تلك الدول على المظلة الأمنية الأميركية وتخشى في الوقت ذاته النفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة، ما يجعلها توازن بين دعمها السياسي للفلسطينيين وتعاونها الأمني مع إسرائيل.
خلفية سياسية وتطلعات مستقبلية بالتوازي مع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس الذي تضمّن إطلاق سراح المختطفين وانسحابًا جزئيًا من غزة، كثّفت واشنطن جهودها لتثبيت التهدئة عبر إرسال قوات دعم إلى إسرائيل، على أن تنضم إليها وحدات عربية وإسلامية في إطار آلية مراقبة مشتركة. كما طُرحت مبادرة لإطلاق برنامج تدريب لقوات أمن فلسطينية جديدة في غزة ضمن خطة أوسع لاستقرار المنطقة تُنسب إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ورغم الحساسية السياسية، تؤكد الوثائق أن التعاون الأمني بين إسرائيل والدول العربية يعمّق نفسه في الخفاء أكثر مما يظهر في العلن، في مشهد يوازن بين الخطاب العاطفي المؤيد للفلسطينيين والواقعية الأمنية التي تمليها التحالفات الإقليمية.