في 31 أغسطس 1897، سجّل المخترع الأمريكي توماس إديسون براءة اختراع كاميرا الصّور المتحركة "الكينتوجراف" (Kinetograph)، التي مثّلت نقطة تحوّل مفصلية في تاريخ تطوّر تقنيّات التصوير والحركة. هذا الابتكار، الذي طوّره بشكلٍ أساسي مساعده إديسون البارز ويليام كينيدي لوري ديكسون، لم يكن مجرّد جهاز جديد، بل أسّس للبنية التقنية التي قامت عليها صناعة السينما الحديثة.
بدأ العمل على المشروع عام 1888 ضمن محاولات إديسون دمج الصور المتحرّكة بالصوت المسجّل، بعد نجاحه في ابتكار الفونوغراف لتسجيل الأصوات عام 1877؛ لكنّ صعوبة المزامنة حالت دون ذلك. عام 1891، طوّر ديكسون كاميرا "الكينتوجراف"، القادرة على تسجيل الصور على شريط فيلم متحرك بآلية دقيقة تشمل مصراعًا دوارًا، ما أتاح التقاط نحو 46 صورة في الثانية الواحدة. ولعرض هذه التسجيلات، ابتكر فريق إديسون جهازًا مكمّلًا هو "الكينتوسكوب"، المخصّص للمشاهدة الفردية عبر فتحة صغيرة، والذي أتاح لأوّل مرة للجمهور اختبار وهم الحركة.
وبحلول عام 1894، أُقيم أوّل عرض تجاري للأفلام القصيرة في نيويورك مستخدمًا عشرة أجهزة كينتوسكوب، وهي اللحظة التي اعتُبرت ميلادًا رسميًا للعرض السينمائي التجاري. عام 1893 أسّس ديكسون أوّل استوديو سينمائي في العالم، عُرف باسم "بلاك ماريا"، حيث جرى تصوير أكثر من 250 فيلمًا قصيرًا بين عامي 1893 و1903، لا تزال محفوظة اليوم كأحد الأركان الأولى للسينما العالميّة.
ورغم أن إديسون لم يُخفِ شكوكه حيال الجدوى التجارية للسينما في بداياتها، فإنّ إرثه مع ديكسون تجاوز حدود الاختراع الفردي ليصبح قاعدة لصناعة عالمية. ومن اللافت أن القوانين الأميركية لم تكن توفّر آنذاك حماية قانونيّة للأفلام، ما دفع المنتجين إلى تسجيل نسخ ورقية من الأفلام في مكتب حقوق الطبع والنشر لإثبات الملكية، إلى أن عُدّل القانون عام 1912.
إديسون، المولود في أوهايو عام 1847، لم يتلقَّ سوى تعليم رسمي محدود وعانى من ضعف السمع منذ صغره، لكن ذلك لم يمنعه من أن يصبح أحد أبرز المخترعين في التاريخ الحديث؛ إذ أسهم في تطوير المصباح الكهربائي، البطارية القلوية، الفوتوغراف وأنظمة توزيع الكهرباء، إلى جانب الكينتوجراف الذي وضع الأساس لصناعة السينما. واليوم، وبعد أكثر من 125 عامًا على تسجيل براءة الاختراع، يُنظر إلى هذا الجهاز باعتباره الخطوة التي مهّدت للانتقال من المشاهدة الفردية إلى العروض الجماعية، فاتحة الطريق أمام السينما كفن وصناعة عالمية.