ما الذي يقرأه الغرب اليوم؟ من السياسة إلى الشيخوخة

بين من يدوّن تجربته على الطريق، ومن يهرب من السياسة بالسخرية، ومن يحوّل الأزياء إلى لغة للتأثير، ومن يواجه الظلم بكتابة السيرة، ومن يبحث في أسرار العمر الطويل – تبدو قائمة نيويورك تايمز مرآةً دقيقة لما يشغل القارئ الغربي اليوم

كشفت قائمة The New York Times الأخيرة لأكثر الكتب مبيعًا في فئة الكتب غير الخيالية (Hardcover Nonfiction)، عن صورة متنوّعة لاهتمامات القارئ الأميركي، تتوزّع بين المذكّرات الموسيقية والسياسة الساخرة، مرورًا بعوالم الموضة والهوية النسوية، وصولًا إلى القضايا الحقوقية والعلمية. وتضمّ القائمة في مراكزها الخمسة الأولى كتبًا لافتة في مضمونها وكتّابها، تُعبّر عن تنوّع الثقافة الغربية الراهنة واتجاهات التفكير السائدة في نهاية عام 2025.
في المرتبة الأولى جاء كتاب "Heart, Life, Music" للفنّان كيني تشيسني، الذي يقدّم مذكّرات شخصية توثّق رحلته الطويلة في عالم الموسيقى، متنقّلًا بين محطّات حياته الفنية والإنسانية، من بداياته في نوكسفيل حتى جولاته العالمية. يتحدّث تشينسي عن الصعوبات التي واجهها والأشخاص الذين شكّلوا مسيرته، ويخاطب جمهوره بلغة الامتنان والتفاؤل، مؤكّدًا أن النجاح ليس حكرًا على الموهوبين بل على من يعمل دؤوبًا لتحقيقها.
أما المرتبة الثانية فاحتلّها كتاب "How to Test Negative for Stupid: And Why Washington Never Will" للسيناتور الجمهوري جون كينيدي، وهو عمل سياسي ساخر يقدّم نقدًا لاذعًا للحياة السياسية في واشنطن. بأسلوب تهكّمي يجمع كينيدي بين الطرافة والواقعيّة، يسخر كينيدي من البيروقراطية والنخبة السياسية، مقدّمًا مشاهد من تجربته داخل مجلس الشيوخ ومقتطفات من تعليقاته التي تحوّلت إلى عبارات متداولة في الإعلام الأميركي.
وفي المركز الثالث حلّ كتاب "The Look" للسيّدة الأميركية الأولى السابقة ميشيل أوباما، بالتعاون مع منسّقة أزيائها ميريديث كوب؛ وهو عملٌ مصوّر يضمّ أكثر من مئتي صورة تُنشر للمرّة الأولى، ويرصد تطوّر أسلوب أوباما في الأناقة بوصفه انعكاسًا لهويّتها ورسائلها الاجتماعية. يتناول الكتاب علاقتها بالموضة كوسيلة للتعبير والتأثير، ويقدّم لمحة عن الأشخاص الذين رافقوها في هذه الرحلة، من مصمّمين وخبراء تجميل وشَعر، ليكشف من خلالهم كيف تحوّلت اختياراتها في اللباس إلى جزء من حضورها العام ورمزيتها الثقافية.
وجاء في المرتبة الرابعة كتاب "Nobody’s Girl" للناشطة الراحلة فيرجينيا روبرتس جيوفري، الذي يسرد بتفاصيل صريحة قصّتها مع الاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر، وتجربتها في مقاضاة جيفري إبستين وجيسلين ماكسويل، مسلّطة الضوء على التواطؤ المؤسساتي الذي سمح بارتكاب تلك الانتهاكات. كُتبت المذكّرات قبل وفاتها في نيسان 2025، ونُشرت بعد رحيلها وفق وصيّتها، لتصبح وثيقة إنسانية عن الشجاعة والعدالة ومقاومة الصّمت.
أمّا المركز الخامس فكان من نصيب كتاب "Outlive: The Science and Art of Longevity" للطبيب بيتر عطية، الذي يقدّم مقاربة علمية حديثة لمفهوم الشيخوخة وطول العمر. من خلال أحدث الأبحاث في التغذية والرياضة والصحة النفسية، يدعو عطية إلى نموذج طبّي وقائي يركّز على تحسين جودة الحياة بدل إطالتها فحسب، ليصبح أحد أبرز الأعمال العلميّة التي تجاوزت مبيعاتها ثلاثة ملايين نسخة عالميًا.
فبين من يدوّن تجربته على الطريق، ومن يهرب من السياسة بالسخرية، ومن يحوّل الأزياء إلى لغة للتأثير، ومن يواجه الظلم بكتابة السيرة، ومن يبحث في أسرار العمر الطويل – تبدو قائمة نيويورك تايمز مرآةً دقيقة لما يشغل القارئ الغربي اليوم. وبينما تتغيّر المواضيع والأسماء وهويّة القرّاء، تبقى الأسئلة المشتركة هي نفسها: كيف نعيش، وكيف نفهم، وكيف ننجو؟