مع تصاعد التوتّرات الأمنية، وبين قلق اللحظة وما بعده، يجد كثيرون أنفسهم يواجهون نوبات مفاجئة من الذعر والهلع: ضيق في التنفّس، شعور بالاختناق، دوخة وتعرّق. هذه ليست مجرّد لحظات "توتّر عابر"، بل نوبات هلع حقيقية – أكثر شيوعًا ممّا نعتقد.
ورغم أنّ هذه الحالات تُشبه في أعراضها النوبات القلبية، إلا أنّ الطب النفسي يصنّفها كموجات حادّة من الخوف، تظهر بشكل مفاجئ وتندرج تحت ما يُعرَف بـ "نوبات الهلع". ولا تعني هذه النوبات بالضرورة وجود اضطراب نفسي دائم، إلّا انّ تكرارها بشكل مفاجئ وغير مبرّر، خاصّةً إذا تبعها قلق مستمرّ أو تغيّر في السلوك، قد يشير إلى الإصابة بـ "اضطراب الهلع". على أيّ حال، فإنّ التعامل الصحيح مع النوبة في لحظتها يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا.
نوبات الهلع في زمن الطوارئ كيف نحمي أنفسنا ونستعيد التوازن؟
كيف الحال مع رجاء كناعنة
08:35
فما الذي يحدث أثناء نوبة الهلع وكيف نتعامل فعليًا معها؟
تشير الأبحاث الطبية إلى أنّ النوبة هي حالة تتعطّل فيها قدرة الشخص على التفكير المنطقي، ليصبح أسيرًا لمشاعر طاغية تُضخّم الإحساس بالخطر والعجز. لذلك، تُعَدّ تقنيّة "تحفيز الحواس الخمس" من أكثر الأساليب فعالية في تلك اللحظة – كأن يلمس الشخص شيئًا ما، أو يشمّ رائحة مألوفة، أو يتذوّق شيئًا بسيطًا، أو يصغي إلى صوت محيط به. هذه الإشارات الحسّية تُساعد الدماغ على استعادة ارتباطه بالواقع، وتخفيف وطأة الشعور بخطر قد لا يكون موجودًا فعليًا. بشكل أبسط، المطلوب هو تهدئة "صوت المشاعر" الذي يضخّم الخوف، وإعادة تنشيط "صوت العقل"، لمساعدة الشخص على استعادة إدراكه لمكانه وزمانه.
هذا ما تؤكّده فاطمة إغبارية، معالجة نفسية عاطفية للبالغين ومرشدة أسرية وزوجية، في حديثها لراديو النّاس. تقول: "هذه التقنيات تُعيد تنشيط صوت العقل في اللحظة التي يعلو فيها صوت المشاعر"، وتمنح الشخص فرصة لرؤية الواقع كما هو، لا كما يُمليه الذعر. وتضيف إغبارية انّ التعامل مع الآخرين خلال نوبة الهلع لا يتطلّب عبارات جاهزة مثل "لا تخف"، بل يستوجب الاعتراف بهذه المشاعر ومنحها شرعية تامّة. "أحيانًا، كلّ ما يحتاجه الشخص الخائف هو مَن يصغي له. هذا أكثر نفعًا من أي نصيحة نظرية".
العلاج النفسي يظلّ خيارًا فعّالًا – سواء عبر جلسات السلوك المعرفي (CBT) أو من خلال الأدوية المناسبة – إلا أنّه حتى في غياب هذا العلاج، يمكن اتّخاذ خطوات يومية بسيطة تساهم في تخفيف الأعراض: تنظيم روتين الحياة، الحصول على قسط كافٍ من النوم، ممارسة النشاط البدني، والابتعاد عن الكافيين والمنبّهات.
جدير بالذكر أنّ فاطمة إغبارية كانت من بين عشرات المعالجين والمعالِجات من المجتمع العربي الذين أطلقوا مبادرة مجتمعية لتقديم دعم نفسي مجاني خلال الحرب. وتقول إنها، في الأيام الأولى من التصعيد، شعرت بالجمود واليأس، فاختارت أن تخرج من هذه الحالة من خلال مساعدة الآخرين. وقد تحوّلت هذه المبادرة خلال أيام إلى شبكة تضم أكثر من 90 معالجًا ومعالجة، قدّمت المساعدة لما يقارب 200 شخص خلال فترة قصيرة – في دليل حيّ على أن التضامن يمكن أن يكون علاجًا بحد ذاته.
First published: 12:01, 22.06.25